الغضب الأردني، لكي يكون حقيقياً
تم " تنفيذ " المطلب الشعبي الذي قادته تيارات مختلفة من الطيف السياسي طوال الأسابيع الماضية فجاءت إستقالة الحكومة التي ترأسها سمير الرفاعي ليحل بدلاُ منها حكومة كلف معروف البخيت بتشكيلها، ومثلت هذه الإستقالة نقطة إنعطاف هامة في مسار عدد من الأطراف السياسية كما أنها جاءت لتطرح المزيد من الأسئلة فيما يتعلق بالمهمات القادمة.
عادة ما تستقيل أو تقال الحكومات في الأردن في سياق عاملين: الأول هو نتاج صراعات داخلية في بنية التحالف الطبقي الحاكم، وبالتأكيد هذه التناقضات لا تأخذ أي طابع تناحري، بمعنى أن ليس لها أي أبعاد خلافية على مستوى المنهج، وإنما تدخل في خانة توزيع المهمات والأرباح.
والعامل الثاني يتمثل في لعب دور القفاز القذر لتأدية مهمة ذات علاقة بالإقتصاد أو الأمن غالباً، وعندما تنتهي المهمة ترحل الحكومة بتوبيخ أحياناً وبعتاب أحياناً أخرى، ويبقى القرار، ويؤتى بحكومة أخرى بصيغة الإنقاذ كبديل يمارس دوره التخديري إلى حين الحاجة لمهمة أخرى، وهكذا.
الآن إستقالت حكومة الرفاعي، وبدأت حكومة البخيت في الحوار مع مجموعة من الأحزاب، وبعد هذه الإستقالة تباينت مسارات الحركات السياسية، فالإسلاميين، توجهوا إلى السفارة المصرية داعمين حراك الشارع المصري، ويمكن أن يفسر هذا بأن الإسلاميين باتوا معنيين بالشأن المصري لأبعد حد نظراً لما يدور من جدل واسع حول دور جماعة الإخوان في مصر ما بعد مبارك، ونظراُ لأن الإسلاميين عملياً قد "إلتحقوا" في المطالبة بإسقاط الحكومة متأخرين وكانت لهم حساباتهم السياسية الدعائية الخاصة في ذلك، فهم لا يحملون برنامج ورؤى ولا أيديولوجيا طبعاً ذات صلة بمنع الإحتكار وإعادة صياغة الهيكل الإقتصادي للبلاد، لذلك عادة ما ينادي العديد من المحللين بلا جدوى تسلم الإسلاميين زمام السلطة، نظراً لعدم رغبتهم وربما قدرتهم في تغيير البناء الإقتصادي، وتمركزهم في موقع التغيير الإجتماعي ومحاولة سحبه من أقصى اليمين الليبرالي المعاني من الشطط إلى أقصى اليمين الديني المعاني من الجمود والتحجر.
تشكل التيار الثاني من غالبية أحزاب المعارضة الأخرى والتي إلتزمت السكون بعد إستقالة حكومة الرفاعي، وكأن المطلب الأساسي قد تحقق، أو الحاجة إلى تأجيل البحث في المسألة إلى حين كشف نوايا الحكومة الجديدة، إن هذا الشكل من القرارات يتماشى تماماً مع خطط النظام في إحكام السيطرة من خلال أوهام التنمية السياسية وأجواء الديمقراطية الزائفة، ولا يتفق أبداً مع ما تطرحه هذه الأحزاب ذاتها من أولوية إسقاط النهج! إن محطات الإستراحة التي تفرضها هذه الأحزاب هي محاولة للهروب من مشروع التأزيم، وهو المشروع الوحيد القادر على حل الأزمات، فتعقيد المسائل وتصعيدها ودفعها إلى أعلى درجات التناقض هو الضمانة الوحيدة للتغيير الحقيقي.
دعا التيار الثالث إلى مسيرة تنطلق من مكانها المعتاد، من الجامع الحسيني، وتطالب بإسقاط النهج بعد أن تمت إستقالة الحكومة، المواصلة بحد ذاتها كانت خطوة صحيحة، ولكن التفاصيل كانت خاطئة، فعادت الحالة لنفس الشكل السابق المتمثل في تشتت الشعارات وتبعثرها، المشاهد من الخارج لا يتمكن من الإمساك بمطلب ملموس، واضح ومحدد. لقد تناول كلا المتحدثين في نهاية المسيرة مسألة إتفاقية وادي عربة و إرتباطها العضوي بمسألة الفقر والبطالة والمطالب الداخلية. على المستوى النظري هذا الحديث صحيح، ولكن ظريقة التعبير السياسي عن هكذا أراء تتخد طابع مختلف، بمعنى:
1- من المعروف لدى النخب أن مسألة الفقر والبطالة في الأردن مرتبطة مباشرة بشكل الإرتباط الإقتصادي مع منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، وباقي مؤسسات الإمبريالية العالمية، أي أن أي تغيير حقيقي يتطلب إنتفاضة حقيقية على هذا الإرتباط وفكه، مما يعني تبني خيار التصنيع كأساس وتأميم المؤسسات العامة وبناء مشروع رعاية إجتماعي شامل،.....، مما يعني تغيير خارطة التحالفات السياسية بأكملها إبتداءًاًبأمريكا وإنتهاءاً بإسرائيل.
2- ولكن هل السلطة السياسية في الأردن ، والتي تتمثل في التحالف الطبقي الحاكم وليس في الحكومة، راغبة في التغيير الوارد في النقطة الأولى؟
بالتأكيد لا تظراً لإرتباطها المصلحي والمنفعي بهذه المنظومة. وفي هذه الحالة ما الفائدة من المطالبة في إسقاط معاهدة وادي عربة وحل البرلمان وإسقاط حكومة البخيت التي لم تولد بعد _وإن كانت ذات بداية ونهاية معروفة سلفاً_، ما الفائدة من المطالبة بكل هذا دفعة واحدة دون أي ممكنات لها يحملها الواقع.إن الوقوف إلى هذا الحد سيعتبر شكلاً من أشكال العدمية في النقاش والتحليل النظري، لذلك دائماً لا بد من نقاش حلول ونقاش بدائل:
1- إن السلطة السياسية في الأردن "التحالف الطبقي الحاكم، وليس الحكومة" غير راغبة في إحداث أي تغييرات في صيغ تحالفاتها السياسية و الإقتصادية، لذلك هي تفضل دائما اللعب في ساحة السياسي والجزئي"التنمية السياسية، مشاركة الشباب في القرار، مشاركة الأحزاب في الحوار الوطني،....."، إذن لا يمكن بأي حال من الأحوال وتحت أي من أشكال الضغوطات أن تتبنى هي ذاتها هذه المطالب ، ولن يجدي حتى مشاركة القوى السياسية في الحكومة في سبيل "النخر من الداخل"، إذن لا بد أولاَ أو أخيراً من تبديلها نهائياً، ولكن كيف؟
2- لا بد للتحريض أن يبدأ من مكانه الصحيح: "الفقر، الجوع، الإستلاب، العمل الشاق وغياب السيطرة، التوتر، المزاحمة، الشعور الدائم بالتهديد والخطر مما هو قادم، التأمين الصحي، التعليم، الأسعار، الضرائب غير العادلة".
3- ليس المطلوب في هذه المرحلة المطالبة بإسقاط الحكومات، المطلوب هو رفع منسوب التوتر الشعبي، الحقد والحنق على الأنماط الإجتماعية السائدة، لا بد أن يأتي التظاهر من السخط على هذا الواقع دون حتى الإشارة لإقتراحات سياسية تسعد السلطة، الإستمرار في الخلاف حول الأسماء "الرفاعي أم البخيت" هو مطلب السلطة وهو منقذها في نفس الوقت.
لا يوجد مراحل تمهيدية في السياسة الخالصة، فالسياسي رمادي وضبابي وقابل للتأويل، ولكن الطبقي ليس كذلك! الجميع متفاجىء مما حدث في تونس ومصر وكأنه جاء فجأة دون سابق إنذار ، ولكنه ليس كذلك، والوعي لا يصل دائماً مبكراً، إنه نتاج الحقد و السخط الطبقيين، إنه نتاج الجوع وفقدان السيطرة .
4- تأجيج الشعور الساخط لدى الناس على هذا الواقع هو القادر على بناء الوعي السياسي، بل وعلى حصر الخيارات السياسية لاحقاً، والتي تتمثل في تبديل السلطة بشكل كامل، هو مشروع صبور وواقعي وثوري في آن واحد، هو محاولة لنقل الناس من السخط إلى الكفر بالسلطة إلى تبديلها إلى البحث في البدائل وهكذا، إن الأردن ما زال في المرحلة الأولى من هذه المشروع لذا يتوجب هنا الإنتباه!