العينُ الحمراء

العينُ الحمراء

لا يُمكنُ اعتقالُ شبكة الانترنت، وتخويفها بعينٍ حمراء. الأرجح أنّ دولاً يائسةً تحاولُ ذلك. وهي تعاني من الاعتقال في مستوياتٍ مرصودة، وشديدة الوضوح. ليس أقلّها في كيانيّتها، إزاءَ أزمة اقتصادية مُركّبة. تحاولُ الخروجَ منها، باستغاثاتٍ، لا تجدُ صدىً خارجيّاً، وبوسائل جباية قديمة في الداخل، وهي تعلمُ أنّ البيادرَ جرداءُ، وتصرُّ على حصّةٍ وافرةٍ من الرمالِ والغبار.

المعارضةُ الجديدةُ موجودةٌ على الشبكة. المؤسساتُ الحزبيّة، والمعارضاتُ التقليدية نزحت من بياناتها وصحفها ومنشوراتها إلى الانترنت. لم يعدْ مبرّراً الإنفاقُ على استئجار المباني، والمياه والكهرباء، والتباهي بلافتةٍ على المقر؛ فالوصولُ إلى "فيسبوك" أسرعُ وأسهلُ من الطريق إلى البرلمان. والأخير ليسَ إلا مبنىً لتصريف أعمال الحكومة، والتدرّب على بروفاتٍ غير متقنة للصراخ المتّفق على مداه وحدّتهِ.

لنتذكّر في هذا السياق، حالَ حريّة التعبير في الأردن، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. كانت الصحافة الغربية تتحدّثُ عن عودة البلادِ إلى حقبة "الوشوشات"، وقد عشنا شراسة في التشريعات، والقمع الأمنيّ للمعارضة، بذريعة محاربة الإرهاب. الآن، يُمكن القولُ إن تلك المرحلة "كانت انفراجاً"، مقارنةً مع سلوك السلطة المُحبط من عجزها على لجم اندفاع الناس في التعبير على وسائل التواصل الاجتماعيّ في العام 2017.

كان الناشطون والمعارضون يُحالون إلى محكمة أمن الدولة، بتهمة "الانتماءِ إلى جمعية غير مشروعة"، حينما يؤسّسونَ لجنةً، أو وسيلةً تنسيقية. "الجمعيةُ غير المشروعة" صارَ اسمُها "صفحةً على فيسبوك". المنصّةُ الزرقاءُ نفسها مُكبّلة بأكثر من قانونٍ، والحكوماتُ ترفعُ سقفَ المنع والملاحقة، باستمرار، وتستخدمُ الأدوات القديمة نفسها، قبل شيوع منصات التواصل الاجتماعي، وتعاظم تأثيرها.

تستطيعُ الحكومةُ السيطرةَ على المعارضة الحزبية والبرلمانية، بالتفاهم، والتسويات، والمكافآت، كما جرت العادة. وهي مرّرت موازنةً، تطلبت تدبير 450 مليون دينار، عبر زيادات ضريبية، وتدابير قاسية معيشياً على الأردنيين، وانتهى الأمر في البرلمان، ليبدأ على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعلم الحكومة أنّ 90 في المئة من مستخدمي الانترنت في الأردن متصلون بتلك البوابات.

القراراتُ الاقتصادية. خصوصاً ارتفاع أسعار عشرات السلع، لم تسفرْ عن مظاهرات بالآلاف في الشارع المنضبط تنظيمياً للإسلاميين. ثمة خمسة ملايين مستخدم، ومستخدمة لـ"الفيسبوك" وحده في الأردن، وهؤلاء لا يعترفون بالخطوط الحمراء، ولا تخيفهم العينُ الحمراءُ، وهم يرونها غافلةً تماماً عن الفساد، ومغمضةً على الحلول المعروفة، لإنقاذ البلاد من الوصول إلى مكاسرةٍ لفرض رسوم على الانترنت وخطوط الهاتف.

إذا استمرت صدمةُ الدولةِ الأردنيةِ بما تراه من محتوى خارج توقعاتها على الشبكات، فستحتاجُ إلى الانفاق على مزيدٍ من السجون، ربّما بما يزيدُ عن مثيله في زمن الأحكام العرفية. والحاصلُ أنْ لا جدوى من إغلاق الصفحات، واعتقال الناشطين، والتفنُّن في تكييف الاتهامات، واستغلال صعود اليمين الترامبيّ في الولايات المتحدة الحليفة، بالشدّة الأمنية، فذلك يُشبه حشرَ السيْلِ تحتَ كومةٍ صغيرةٍ من الحصى.

الدلالةُ في قلب المعنى، وليس عندَ قشور البطاطا والبيض، وأدعية شركات الاتصالات.

 

باسل رفايعة: صحافيّ أردنيّ، عمل في صحف يومية محلية، وعربية.

أضف تعليقك