العنف وفهمه معرفيا
يعرّف علماء النفس والأخلاق العنف بوصفه انتهاكا للشخصية وتعديا على الآخر، أو إنكاره وتجاهله ماديا، أو أن أي سلوك شخصي أو مؤسساتي يتسم بطابع تدميري مادي واضح ضد آخر يعد عملا عنيفا. وهناك العنف الشخصي الخفي، الذي يؤذي الآخر نفسيا، وهناك العنف المؤسساتي الخفي، حيث تنتهك البنى الاجتماعية هوية مجموعة من الأشخاص، كما يحصل على سبيل المثال في مستويات الحياة المتدنية في الأحياء المغلقة.
وتقدم بربارا ويتمر، وهي أستاذة علم الأخلاق والدراسات الثقافية، دراسة للعنف من خلال مجموعة من المعتقدات والمواقف والسلوكيات والتوقعات الاجتماعية بشأن العنف، مثل أسطورة البطل، والديناميكية الاستغلالية للقاتل/ الضحية، ونظرية العنف الفطري، وثنائية العقل/ الجسد، وأسطورة العدوان الذكوري وإخضاع النساء، وتهميش الثقة، وتطور التكنولوجيا ضمن موروث من الذرائعية التدميرية، وسوسيولوجيا العنف وسيكولوجيته، وتشريع العنف بواسطة الأيديولوجيا والأسطورة، والعنف والخطاب الرمزي، وربما تجعلنا الدراسة نعيد النظر في أساليب فهمنا للعنف.
هناك فرضيتان حول العنف، أولاهما أن العنف فطري ومتأصل في البشر، والثانية أنه سلوك مكتسب، والثقافة نفسها باعتبارها أسلوب حياة، أي تلك الطرق التي يمارس المجتمع من خلالها طقوسه الاجتماعية اليومية، وباعتبارها أيضا "إرثا مشتركا من الذكريات والعادات التاريخية المنقولة بشكل رئيسي عبر اللغة المشتركة" وهي ثالثا التعبيرات الخلاقة في المجتمع، التي تتمثل في هندسة البناء والموسيقى والعلوم والتعليم والفنون التطبيقية، يمكن أن تنشئ العنف وتمجده أيضا.
ويمكن أن نتصور الإنسان ضمن علاقات تبادل تكون من بين معتقداته مجموعة معينة من العادات تسمى "أنماطا ثقافية للعنف" قد تخضع هذه المعتقدات للتغيير، ما يضع العنف في إطار السلوك المختار، وليس المحدد للتعبير عن الغضب، ومن المهم أن يقع في إطار التحريم الاجتماعي له كوسيلة للسيطرة على الأفراد العدوانيين.
يؤيد فرويد هذا الرأي، ويرى أن ضبط العنف الفردي الطبيعي ضروري لكن متعذر من دون الحضارة، ووسائل تحريمها الاجتماعية عبر التنشئة الاجتماعية والمؤسسات.
وبتركيزه على الأساس البيولوجي للعدوان يبين فرويد انعكاس التغييرات في ظروف البيئة الخارجية على التطور العصبي الداخلي والجسدي للفرد الذي يعتمد على البيئة أو المحيط الذي يحصل فيه التطور.
وعلى ضوء ذلك يتأقلم الكائن البشري باستمرار مع التغييرات في البيئة وتفسير التأقلم أو التجربة، ويشكل بذلك أنظمة فكرية وعاطفية متشابكة مع الجهاز الكيميائي والعصبي للكائن الحي، وتختزن التجربة خلال صور ورموز.