عشرة ملفات فساد بانتظار "القضاء" ، أغلب المتهمين فيها مسؤولون كبار ، سابقون وحاليون ، والمبالغ - المسروقة - بمئات الملايين ، أما التفاصيل فما زالت قيد التحقيق في هيئة مكافحة الفساد.
كيف تجرأ هؤلاء على المال العام ، ؟ ولماذا تجاوزوا صلاحياتهم فنهبوا رغيف خبز الفقراء وسكنهم الكريم ومواردهم وأحلامهم أيضا؟ ، اين كان ديوان المحاسبة والمراقبة؟ وأين كان مجلس النواب والحكومة؟ وهل بوسعنا ان نقول بأن "الفساد" يحمي الفساد أحياناً ، وبأنه يكشفه احيانا اخرى؟؟؟
الآن ، رفعت - على ما يبدو - مظلة حماية الفساد ، وانكشفت بعض اسراره ، وخرج الذين كانوا "يجلدوننا" بالمواعظ والدروس الوطنية والمصلحة العامة "عراة" أمامنا ، كان بعضنا - للاسف - يعرفهم بأسمائهم وبمظاهر الثراء الفاحش الذي نزل عليهم بالبراشوت ، لكنهم في غيبة المحاسبة والمراقبة ، واسترخاء القوانين وشيوع ثقافة "اكسب وأهرب" وقيم "الشطارة" وخفة اليد ، استمرأوا فسادهم وأجهزوا على ما وصلت اليه أيديهم ، وأودعوا ضمائرهم في "الثلاجة".. حتى دقت ساعة "الغضب": وهم يتابعون فضول بيع الاراضي العامة والمؤسسات وانتشار عدوى الخصخصة وسياسات التوريث والتعيين والعبث بالحقوق ، وحين دقت تلك الساعة ، وجد هؤلاء أنفسهم مكشوفين تماماً ، وبعهدة القضاء الذي لا يظلم أحداً.
اللهم لا شماتة ، فنحن لسنا دعاة انتقام وانما دعاة محاسبة ومعاقبة ، ونحن لا نريد أن نقتص من هؤلاء بذاتهم - متى ثبت فسادهم ، ولكننا نريد ان نستعيد أموال الناس التي سرقت ، وحقوقنا التي ضاعت ، ونريد ان نؤسس لمرحلة جديدة يعلو فيها صوت القانون على كل صوت وتتلاشى فيها قيم "الشطارة" والمحسوبية ، وتستيقظ الضمائر التي أقسمت على الاخلاص للبلد فلم تلتزم بالقسم ، ويتعلم الآخرون من الدرس ليجتازوا امتحان المسؤولية.
هذه - بالطبع - خطوة في طريق طويل ، فنحن نعرف ان "مؤسسة" الفساد أصبحت أقوى مما نتوقع ، وأوسع مما نظن ، ونعرف ان "للفاسدين الكبار" شبكات نفوذ وعلاقات عامة ، وحساب ومصالح ممتدة ومعقدة ، ولكن ما يشجعنا أننا بدأنا ، وان وجود الارادة السياسية ويقظة عين الرقابة وفتح أبواب "المساءلة" ورفع موازين العدالة ، وكسر حواجز الخوف.. كفيلة بضرب هذه "البؤر" وتطويقها ، وكفيلة باضعاف شبكاتها وردع المتورطين فيها والمتعاملين معها ، وكفيلة بتحرير بلدنا "الفقير" من هذا "الطاعون" الذي فتك به وأجهز على مقوماته وكرامة الانسان فيه.
لا معنى للاصلاح - أي اصلاح - اذا لم يقلع أشواك الفساد وامساكه من تربة المجتمع ، ولا معنى "للتحول الديمقراطي" اذا لم يطح برؤوس الفساد ويحطم أساطيرهم ونفوذهم ، ولا قيمة لبرامج التنمية وخطط البناء ووصفات "شدّ البطون" ودعوات الصبر والتحمل وانتظار الفرج الا اذا تمت عمليات تحرير المجتمع - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، من الفساد ، فأبشع أنواع الفقر ما كان متزامناً مع الفساد ، وأسوأ شعور بالبطالة ما كان مرتبطاً مع المحسوبية والشللية ، وفساد التعيين وتفاوت الرواتب ، لأنه في غياب "الفساد" وسيادة موازين العدالة والمساواة ، يكون الناس "أكثر" قناعة ورضى حتى لو كانوا فقراء.
بانتظار العشرة "المبشرين" بالفساد ، وربما العشرات ، سيفتح الناس أعينهم على صورة بلدهم الجديدة ، وسيكونون أكثر ثقة "بالإصلاح" ودعواته ، ولكن أخشى ما يخشونه أن تمر القافلة أمامهم ثم تمضي إلى طريقها.. وتعود إلى "مواقعها" ونكتفي بإعادة ما كنا رددناه:
هي مجرد شبهة فساد.
الدستور