العالم الأعمى

العالم الأعمى
الرابط المختصر

 

لم يحظ خبر إعدام المواطن الأردني محمد العزازمة في السعودية لتهريب حبوب مخدرة بتغطية مناسبة، وأرجّح أنه إذا أجرينا استفتاء بين الأردنيين لكانت نتيجته أن الغالبية تعارض إعدام السلطات السعودية لمتهمين بجرائم غير القتل، من دون الانتباه أن من يعارض الإعدام يجب أن يتمسك بموقفه بغض النظر عن شناعة الجرْم أو بساطته.

 

من الضروري القول إنني معارض لعقوبة الإعدام وتنفيذها، ولم يحدث جديدٌ يغير موقفي حتى عقب الجريمة النكراء بحق الطيار الشهيد معاذ الكساسبة، إذ يجب مراجعة الدوافع لقرار إعدام السجينين العراقيين ساجدة الريشاوي وأيمن الكربولي خلال أقل من 24 ساعة من إعلان شريط فيديو داعش سيء الصيت.

 

الدول التي لا تزال متمسكة بـ"الإعدام" تضع مجموعة من المعايير والإجراءات تمنع إدخال مبدأ الانتقام في تنفيذ عقوبة تقضي بإنهاء حياة إنسان، وفي هذا المجال توفر سلطاتها مجموعة خطوات للاستئناف والاعتراض والتأجيل لمنع استغلال الحكم لإشباع غريزة الانتقام. ويأتي ضمن هذه الإجراءات ضرورة أن تلعب السلطة القضائية دوراً في تنظيم عمليات الاعتراض والموافقات النهائية لتنفيذ الحكم لمنع السلطات التنفيذية من الاستحواذ على قرار العقوبة لأسباب غير تلك التي تم الإقرار بها.

 

لو افترضنا وقوع جريمة وحشية لمواطن أردني في المستقبل، وقام الشعب بالضغط على الحكومة لتنفيذ حكم الإعدام فوراً لمتهم بقتله، فهل نقبل بذلك لأن هناك مطلب شعبي بالانتقام؟ وإذا قامت الدولة بإعدام المتهم وظهرت لاحقاً براءته فهل يمكن إعادته إلى الحياة.

 

قد يقول قائل إن المتهميْن العراقيين قاما بعمليات شنيعة ضد أردنيين قد حُكم عليهم بالإعدام منذ عشرة سنوات، وبذلك كان هناك مجموعة من الفرص للاستئناف أو التظلم. هذا صحيح, لكنه لا ينفي دافع الانتقام ورضوخ السلطة التنفيذية لضغوط شعبوية عاطفية، وهو رضوخ من المفترض أن تكون العدالة معصومة عنه. وكيف بنا أن نقبل مبدأ العدالة في قضيةٍ كان الأردن مستعدا للإفراج عن سجين ما منذ أيام، ثم يجري إعدام السجين نفسه.

 

معارضة عقوبة الإعدام حتى ضد أشخاص من المؤكد تورطهم بجريمة قتل تتجاوز احتمالية الخطأ أو رفض دافع الانتقام تحت ضغوط عاطفية وشعبوية، فعقوبة الإعدام ثمثل تشجيعاً واضحاً من الدول لثقافة العنف رغم إدعائها خلاف ذلك، ومن المثبت علمياً أن الإعدام لا يقلل من الجريمة، ولا يشكل رادعاً حقيقياً بمنع القتل، كما تُنفذ غالباً ضد ضعفاء وفقراء، وينجو منها المتنفذين والأغنياء.

 

ورفض الإعدام من مبادئ حقوق الانسان الذي يركز على أهمية الحياة، وأن قرار زهقها يجب أن لا يكون من حق البشر، فكما أن الحياة هي هبة من الله فأن نزعها لا يتأتى إلا لمن وهبها.

 

وفي هذا المضمار يجدر اقتباس ما تقوله مؤسسة العفو الدولية، التي كرست نفسها لمحاربة العقوبة في جميع الحالات بلا استثناء، وبغض النظر عن طبيعة الجريمة أو خصائص المجرم أو الأسلوب الذي تستخدمه الدولة لقتل السجين، وتالياً النص "عقوبة الإعدام هي إنكار مطلق ونهائي لحقوق الإنسان. إنها عبارة عن قتل إنسان مع سبق الإصرار وبدم بارد من قبل الدولة باسم العدالة. وهي تشكل انتهاكاً للحق في الحياة كما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إنها منتهى العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة".

 

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 1948 – ووافقت عليه معظم دول العالم بما فيها الأردن– يقر بحق كل شخص في الحياة (المادة 3)، وينص صراحةً على أنه "لا يُعرض أي شخص للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".

 

لقد قام أتباع تنظيم داعش بعملية بشعة جداً في تصفيتهم للشهيد معاذ، وهي جريمة لا يجب التساهل بحقها، لكن فظاعة الفعل لا يبرر انخراط دولة مثل الأردن في الانتقام من سجناء من المجموعة الإرهابية نفسها إرضاءً لرغبات شعبية بالانتقام. فمن أساسيات محاربة قوى ظلامية، وفي مقدمتها داعش، توفير بديل تنويري يطال جميع الأمور المتعلقة بعمل الفرد وفكره وأسلوب حياته. ولا يمكن الادعاء أننا مختلفون ونقوم في الوقت نفسه بعمليات عنيفة معارضة لمبادئ حقوق الإنسان التي نعتبرها أساس الحكم الحضاري المناقض لحكم داعش الظلامي.

 

الانخراط في عمليات ذات أهداف انتقامية يعدّ فشلاً، والدرس المهم يتمثل بتمسكنا بمبادئنا بعض النظر عن همجية الطرف الآخر، وكما قال الزعيم الهندي المهاتما غاندي إن "سياسة العين بالعين يجعل العالم كله أعمى".

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي

 

أضف تعليقك