الظهور المفاجئ لـ"أمير الغساسنة"
يجد الأمير الغساني غاريوس، الذي زار الأردن الشهر الفائت، أن هناك قواسم مشتركة عديدة تجمع الأمة الغسانية، التي حافظت على نقائها، ومطالبات اليهود بالعودة إلى "إسرائيل"، علماً بأن غاريوس شخصية حقيقية غير متخيلة من بنات أفكاري، وهو يدوّن آراءه هذه في موقعه الرسمي "البيت الملكي الغساني".
غاريوس النعمان قّدم مساعدات إلى اللاجئين السوريين في المفرق، وبعض المدارس في إربد، بعد لقائه أمين عام وزارة التربية والتعليم، وأطلق حملة تبرع لصالح ترميم وإعادة إعمار بعض الأماكن في مدينة أم الجمال الأثرية، بالإضافة إلى ترويج مشروعه "أبناء إبراهيم".
"أبناء إبراهيم" يستند إلى حلٍ "واقعي" للصراع العربي الإسرائيلي، كما تضمّن كِتابه "الشرق الأوسط: التاريخ السري والحلول الممكنة" المنشور بالتزامن مع مجيئه إلى المنطقة، فهو يرى أن "الإسرائيليين ليس لديهم مكان آخر ليذهبوا إليه"، و"بما أن علينا أن نحيا جنباً إلى جنب، فلنجد أفضل طريقة لتحقيق ذلك. لا نستطيع أن نغير الماضي، ولكننا نستطيع دائماً أن نغير المستقبل"، وفق ما جاء في مقابلته مع موقع رصيف 22.
"المستقبل" الذي يتحدث عنه غاريوس، البرازيلي المولد والنشأة والجنسية، يبدو شبيهاً بماضيه الذي جرى تثبيته مؤخراً عبر اعتراف محكمتين؛ برازيلية وأمريكية، به وريثاً لـ"الدولة الملكية لغسّان وسلالتها وألقابها" في العام 2011.
ويشير إلى صلات تجمعه بـ"إسرائيل"، فكلا الشعبين اليهودي والغسّاني فقد دولته، لكنهما حافظا على تراثهما رغم تعرضهما للاضطهاد الديني، وهو يؤيد وعد بلفور لأنه "قسّم فلسطين بين اليهود والعرب".
يستعيد الغسانيون حقهم بإعادة الاعتبار لدور مملكتهم "الديمقراطية والراعية للفنون"، وكونهم "الفرسان الأوائل"، غير أن "اليهود يستعيدون حقوقهم بدولة مستقلة"، وتعدّ هذه هي الأطروحة الأساسية للأمير الغساني "المنفي".
النفي يرتبط بالتناقض الأبرز لديه، فهو يؤكد دمائه النقية بسبب حظر زواج الغساسنة بالأغراب، لكنه يضطر في مقابلات صحفية للإقرار بوجود غساسنة؛ مسيحيين ومسلمين، لا صلة لهم بالرواية التي يقدمها حول أسلافه "الأنقياء".
يعتقد غاريوس بنزوح الغساسنة إلى الإمبراطورية البيزنطية عقب "الغزو الإسلامي"، بحسب اصطلاحه، وأنهم تقلدوا حكّم بيزنطة مع قدوم الإمبراطور الغساني نقفور (نكفورس)، الذي كان أول حاكم بيزنطي يرفض دفع الجزية للخليفة العباسي.
الغساسنة عادوا إلى لبنان، وأقاموا مملكة لهم في زغرتا بقيت حتى القرن الثامن عشر، إلاّ أنهم أُجبروا على الهجرة بسبب تعرضهم للقمع على يد العثمانيين، فهاجر بعضهم إلى البرازيل مثل أجداده.
يعود الأمير البرازيلي/ اللبناني/ الأردني إلى مراجع تاريخية يذكر منها كتابات للمؤرح اللبناني أسطفان الدويهي، وكتاب "الغساسنة يُبعثون" للمؤرخة الفلسطينية ياسمين زهران، وغيرهما.
قد يحق لأي منّا إدعاء النسب الذي يتمنى، وربما أكثر منذ ذلك، لكن المؤكد بحسب الموقع الشخصي لوريث الغساسنة أنه ممثل ومخرج مسرحي ومنتج ومؤلف أفلام وموسيقي وفنان تشكيلي وكاتب وباحث، إضافة إلى اتقانه سبع لغات.
لا نعرف حجم ونوعية الدعم الذي قدّمه الأمير الغساني في أثناء زيارته إلى الأردن، فلم يُعرف عنه غنى أو امتلاكه لاستثمارات، باستثناء ظهوره المفاجئ، بوصفه صاحب "البيت الغساني" -منظمة غير ربحية- ويؤمن بـ"إسرائيل"، ويبدي "القلق على المسيحيين في الشرق الأوسط"!
- محمود منير: كاتب وصحافي. محرر "تكوين" في عمان نت.