الطليان وصلاح الدين
يبدو صلاح الدين الأيوبي في التراث الأدبي والتاريخي الأوروبي قديسا، حتى إن بعض الأوروبيين يعتقدون أنه مسيحي. وفي كتاب"الديكاميرون" لجيوفاني بوكاشيو (1313 - 1375)، والذي يضم مائة قصة من أهم مصادر التراث الإيطالي، كان صلاح الدين الأيوبي موضوعا لقصتين من القصص التي عرضت، وهو في هذه القصص فارس نبيل أقرب إلى القديسين وأصحاب الكرامات، ما يؤيد مقولة بعض المؤرخين الأوروبيين عن اعتقاد الناس في العصور الوسطى بأن صلاح الدين الأيوبي كان قديسا.
في إحدى هذه القصص يطوف صلاح الدين متنكرا بزي تاجر في المدن الإيطالية والأوروبية، وكان يتحدث اللاتينية بطلاقة، فيلتقي بالفارس النبيل توريللو الذي يبالغ في إكرامه وضيافته، ويشعر أن الضيف ليس تاجرا، ولكنه نبيل كريم فيحبه كثيرا ويقدره، ويقدم له هدايا ثمينة، ويدعو على شرفه كبار النبلاء في مدينته، وتقدم زوجته هدايا ثمينة له، ثم يشارك توريللو في الحروب الصليبية ويقع في الأسر، ويقدم للسلطان صلاح الدين باعتباره بارعا في تدريب صقور الصيد، فيتعرف عليه السلطان ويعرفه بنفسه ويكرمه تكريما عظيما ويقدم له هدايا ثمينة وأسطورية، ثم يكلف أحد أتباعه بأن ينقله وهو نائم على سرير ومحمل بالهدايا إلى بلده في إيطاليا في لحظة من الزمن، ولعل القصة تشير إلى قصة النبي سليمان الذي كان في حاشيته رجل (الذي عنده علم من الكتاب) استطاع أن ينقل عرش الملكة بلقيس من اليمن إلى القدس في لحظة خاطفة (قبل أن يرتد إليك طرفك) وعندما يصل توريللو إلى مدينته بعد غياب طويل يجد أن زوجته ستزف إلى رجل آخر بعد أن يئس أقاربه وأهله من رجوعه وظنوه ميتا، ولكنها تعود إلى زوجها توريللو في اللحظة المناسبة.
الديكاميرون، تعني الأيام العشرة، وربما أراد مؤلفها بوكاشيو أن يحذو حذو ألف ليلة وليلة، وهي تعبر عن التحولات الأوروبية وبدايات النهضة، عندما بدأت أوروبا تعنى بالفكر والفن والتراث وتؤسس لنهضتها الحالية، ويجمع بوكاشيو في الكتاب قراءاته لأعمال العصور الوسطى.
ومن المعلوم أن القرن الرابع عشر شهد بداية ظهور البورجوازية الأوروبية التي قادت التقدم الأوروبي من سكان المدن والموظفين والمهنيين والتجار، وأنشأت ثقافة جديدة قائمة على القصة والرواية ومخاطبة الجمهور الواسع بدلا من الفنون الراقية وأعمال النحت التي كان يقتصر تذوقها واقتناؤها على النبلاء، ومن أهم الأدباء الذين ظهروا في هذا القرن: دانتي إليجيري مؤلف الكوميديا الإلهية (والتي يعتقد كثير من النقاد أنها على غرار رسالة الغفران لأبي العلاء المعري)، وفرانشيسكو بتراركا.