الصعب بن جثامة
ماذا لو أردنا تخيّل مستقبل الأردن في رواية أو فيلم سينمائي، متجاهلين تحليلات مسطحة يُطلقها سياسيون حيال الوقائع الدرامية المتلاحقة في منطقتنا العربية. تالياً محاولة أوليّة مستوحاة من أحداث يومية يعيشها كثيرون مثلي.
تقع عيناي كل صباحٍ على لوحةٍ معدنيةٍ نُقش عليها: شارع الصعب بن جثامة. أصمتُ عن هذا الاسم الذي يقابل بيتي، فلا آلفه ولا يبعث لديّ أي دلالة أو معنى.
أتغافل عن دلالات ومعانٍ عدّة صاعداً إلى أول سرفيس، لأواجَه بجدلٍ إذاعي حول "المخدرات الرقمية"، فأستمع إلى أوهامٍ يبثها أساتذة جامعيون وتجّار يتم التعريف بهم بوصفهم خبراء تكنولوجيا أو رجال دين، وجميعهم يتحدث عن خطر الإدمان على مادة لا وجود لها أساساً، بحسب ما يؤكده اختصاصيو كمبيوتر لا تقيدهم المصلحة أو يتملكهم الجهل.
يتعوّذ الركّاب الجالسين جواري من مؤامرات تحاك ضد أبنائنا ومجتمعاتنا، ويكررون ما سمعوه من ضيوف البرنامج بأن الابتعاد عن الإسلام يؤدي إلى تعاطي هذا النوع "المستحدث" من المخدرات، مؤكدين بخلاصتهم هذه أن الخوف يشلّ التفكير ويُضعف ذاكرتهم دوماً.
نناقش القضايا المستجدة، على اختلافها، بضحالة معرفية واستلاب للخرافة الدينية، ومنها ردود الفعل تجاه خبر ظهور "الجن" لطالبات في مدرسة بالأغوار، أو تعامل الدولة والمواطنين –على حد سواء- مع منع خطباء الجمعة الخوض بالسياسة، في مجتمع يعطي أهمية لخطيب المسجد ومذيع البث المباشر في ظل تراجع مؤسسات الدولة والقوى التي قد تقود التغيير.
ولا يخجل، كذلك، أطباء ومهندسون ومحامون وباحثون في علم الاجتماع والتربية والاقتصاد من تخليهم عن المعرفة، وتقمصهم دور الوعاظ ليكسبوا جماهيرية، حين يشيرون إلى غياب الوازع الديني بوصفه السبب الرئيس لارتفاع معدلات الجريمة والعنف الجامعي وتأخر سن الزواج والاكتئاب والأميّة وكلّ الأزمات التي نعاني منها.
أتساءل مجدداً عن الشخص الذي اختار اسم الشارع الذي أسكنه، والدافع وراء انتقائه هذه التسمية، ولا يفوتني التساؤل عن استضافة وسائل الإعلام شخصيات تردد محفوظات صماء بأسلوب التلقين سواءً علّقت على أحداثٍ سياسية أو ظواهر مجتمعية أو مواضيع ذات صلة بالموضة والطبخ والغناء.
لا أجلد الإعلام فهو مجرد انعكاس لدساتير وقوانين وأنظمة تأسست عليها بلادنا العربية على نحوٍ يغيّب العقل النقدي، وتخلق مواطناً يقتات على الأسطورة والإشاعة والغيْب، بدلاً من الاعتراف –ابتداءً- بمآزقه الحقيقية ليفككها بعلمية وواقعية ووضوح ويضع لها حلولاً قابلة للتطبيق.
عند البحث عن الصعب بن جثامة عثرت على روايات حول صحابي لا مكان لها في واقعي، ما يبقيه اسماً محايداً على لوحة معدنية مثبتة قرب منزلي! وأنّ من يزجونه في حياتي هم بشر افتراضيون، بعقولهم البائدة وأفكارهم البالية ومخيلتهم الركيكة، ولا يُنتجون إلاّ الوهم الذي سُيشعل فوضى وحروباً داخلية لا طائل منها، وهذه نبوءة ليست بعيدة.
- محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.