الشعب يريد إسقاط إطار كيري!
باستثناء حلقة ضيقة من المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين، لاتعرف النخبة السياسية على الجانبين أية تفاصيل عما ينوي وزير الخارجية الأميركي طرحه من أفكار لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. رغم ذلك خرجت مسيرات في الضفة الغربية أول من أمس تندد بالمشروع الأميركي، بالتزامن مع جولة كيري العاشرة للمنطقة. ورفع المتظاهرون شعارا براقا: "الشعب يريد إسقاط إطار كيري".
وفي الأردن شنّت شخصيات وأحزاب سياسية هجوما لاذعا على "إطار كيري"، ومعظم هذه الأوساط لا تلمّ بالكثير من المعلومات عن هذا "الإطار"، حالها حال المسؤولين الأردنيين.
يمكن لنا أن نجد عذرا لهذه الحملة الاستباقية؛ فسنوات المفاوضات الطويلة، لم تكن سوى هدر للوقت على حساب الفلسطينيين وحقوقهم. وكان الجانب الأميركي خلالها منحازا في أغلب المحطات للموقف الإسرائيلي.
النقطة الجوهرية الوحيدة التي تسربت عن خطة كيري تتعلق بالترتيبات الأمنية في غور الأردن، ويبدو أن ما طرحه كيري بهذا الشأن لا يروق للجانب الإسرائيلي، بدليل مسارعة نواب متطرفين بالكنيست إلى طرح مشروع قانون لضم غور الأردن على غرار الجولان السوري المحتل، لقطع الطريق على أية تسوية تتضمن الانسحاب مما يدّعي غلاة اليمين بأنه خط الدفاع عن أمن إسرائيل.
يجادل ساسة وعسكريون إسرائيليون بخطأ النظرية الأمنية بشأن الأهمية الاستراتيجية لغور الأردن. ويرى هؤلاء أنه في ضوء تراجع تهديد الحرب التقليدية واعتماد إسرائيل على القوة الصاروخية وسلاح الطيران، فإن مكانة غور الأردن العسكرية وطبوغرافيته أيضا يجعلانه بلا أهمية لإسرائيل. كما أن غور الأردن لا يشكل نقطة جاذبة للاستيطان، إذ لايزيد عدد المستوطنين فيه على ستة آلاف مستوطن، يرغب 62 بالمائة منهم مغادرته في حال عرض عليهم ذلك.
لكن هذه المنطقة التي تشكل ربع أراضي الضفة الغربية، تكتسب أهمية استثنائية للفلسطينيين، وبدونها يستحيل قيام دولة فلسطينية ناجزة ومترابطة، ومنفتحة على عمقها العربي. وبالنسبة للأردن تعتبر خطوة إسرائيل ضم الغور خرقا جوهريا لمعاهدة السلام، التي رسمت حدود الأطراف الثلاثة فيها.
التصعيد الإسرائيلي المتعمد في قضية غور الأردن، هو من وجهة نظر المتابعين لملف المفاوضات في الأردن محاولة من جانب اليمين الإسرائيلي لإجهاض جهود وزير الخارجية الأميركي، وتحطيم "إطار كيري" قبل أن يرسم المشهد النهائي للحل المقترح.
ولهذا يعتقد بعض المراقبين أن الوقت لم يحن بعد لاتخاذ موقف مؤيد أو معارض لخطة كيري، قبل أن تتضح معالمها النهائية. وأي تسرع في هذا الشأن سيكون بمثابة خدمة مجانية لليمين الإسرائيلي الذي يلقي بكل ثقله لإفشال كيري.
من الناحية الدبلوماسية يبدو الموقف منطقيا، لكن يتعين على متخذي القرار في الأردن أن يبقوا متأهبين خلال الأشهر الثلاثة المقبلة التي تفصلنا عن الموعد النهائي للمهلة التي منحها الجانب الأميركي للمفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وإذا صح مايقال بأن الجانب الأردني مثل غيره لا يعرف بتفاصيل ما يدور في الغرف المغلقة بين كيري ونتنياهو وعباس، فما جدوى وجودنا في غرفة المفاوضات على ما أكد من قبل أكثر من مسؤول أردني؟
الغد