الشباب والشياب في الانتخابات
تتميز شريحة الشباب بامتلاكها لبعُدي الزمن حاضره ومستقبله، مقارنة بالشريحة الحالية التي تمتلك بُعد الحاضر الذي شكلته وهي شريحة الشياب، أي كبار السن الذين نحترم بالتأكيد.
أشارت الإحصاءات الانتخابية الرسمية إلى أن ما يقارب 375 ألف شاب وشابة سيدخلون سوق المنافسة الانتخابية النيابية المقبلة؛ فهل سيكون هؤلاء كناخبين لأول مرة مؤثرين فعلا في تعديل بوصلة ونوعية النواب الناجحين لاحقا؟
المعطيات العلمية التنبؤية، والممارسات والحياتية السائدة تشيران إلى ملاحظات دالة قبل الإجابة عن السؤال السابق:-
- قوانين الانتخابات في مجتمعنا تفُصّل عادة من قِبل الشياب كصناع للسياسات المختلفة لأنهم أصحاب نفوذ قانوني ووظيفي عام، فقانون الانتخاب الحالي حدد شروط المرشح والناخب. ويفترض به أنه عمل أيضا على إعادة توزيع القوى الاجتماعية، وتوسيع قيم التشاركية في المجتمع لاسيما بالنسبة لقطاع الشباب الذي أبقاه ناخبا فقط؛ في مجتمع تؤكد مضامين ثقافته الآمرة أنها لا تثق كثيرا بقدرات الشباب للأسف "أكبر منك يوم أفهم منك سنة، إذا حكى الكبار سكت الصغار".
- قبل عدة أعوام وأثناء انعقاد اللقاء التأسيسي لمبادرة كُلنا الأردن في منطقة البحر الميت، ُطلب من المشاركين وضع أولويات المرحلة التي تقتضي معالجتها، وكانت المفاجأة هي خلو الأولويات الموضوعة من قِبل المشاركين من قضايا الشباب، فما كان من جلالة مليكنا الشاب إلا أن أطلق لاحقا مبادرة نوعية مضافة ومنصفة، هي هيئة شباب كلنا الأردن من المكان نفسه وبالإلية التشاركية نفسها تقريبا.
ومع هذا مايزال الشياب وهم الآباء الأجلاء "والحكماء عادة" مُصِرون على استئثارهم بصناعة القرار الانتخابي والتنموي والخطابي والتفكيري نيابة عن الشباب رغم أن شبابنا هم النسبة المئوية الأعلى في مجتمعنا.
- علميا يُمثل الشباب ثقافة فرعية ضمن المجتمع الأردني الأكبر، فلهم اهتماماتهم وأولوياتهم اليومية من دراسة وطموحات، وبحث عن فرص عمل نادرة في ظل ارتفاع نسب البطالة، وزيادة أعداد جيوب الفقر لاسيما في المحافظات، وهذا ما يظهر عبر مؤشرات وطنية منها: اتساع المسافة الجيلية بينهما، وبالتالي التفكيرية/ التكفيرية أحيانا، أو الأحادية السلوكية بين الشباب والشياب في آن، وما تأخر سن الزواج وارتفاع نسب الطلاق في السنتين الأولتين منه، إضافةً لتدني نسب مشاركة الشباب في الحياة العامة من أعمال تطوعية، أو عبر الأحزاب.. الخ، إلا تراجع في قيم العمل الإنتاجي بالمجتمع، فقد عبّر شبابنا عن إحباطهم من هذا الواقع الحياتي معترفين "بأن الشباب ليس لديهم ثقافة وطنية عميقة، ويشعرون بعدم الانتماء، وأنهم غرباء في وطنهم، ولا يضمنون العدل والمساواة في حصولهم على حقوقهم، كما يشعرون بعدم الاندماج والتفاعل داخل وطنهم، وتنخفض روحهم المعنوية التي تُسهل عليهم الاندماج في أي ثقافة أخرى غير ثقافتهم" (الإستراتجية الوطنية للشباب،2005-2009، محور الثقافة والإعلام).
- ونتساءل مع التفاؤل حُكما هنا، هل تم العمل مؤسسيا وليس برمزية ووعظية إلى الآن، على توعية شبابنا فكريا ومهاريا في عناوين الحياة المتسارعة قبيل انضمامهم للعملية الانتخابية، وبهدف إكسابهم مهارات العمل العام سواء من قِبل المؤسسات الرسمية في المدارس والجامعات، أو في الأحزاب، كي لا أضيف المؤسسات الأجنبية التي أخذت تُعيد تشكيل شبابنا فعلا وفقا لتمويلها وبأطروحاتها التغريبية.
علماء اجتماع الشباب يصفون ثقافة الشباب "بثقافة الفراغ" ويُعبر عنها سلوكيا بالتكاسل لدى جُل الخريجين الجامعيين وبتواطؤ ضمني من قِبل الأهل عادة، وبانخفاض دافعية الطموح، سيادة القيم الفردية وبالتالي العنف، وعدم اهتمامهم بما هو عام كقيم المواطنة الجامعة، واستحواذ ثقافة الصورة الحرة "التكنولوجيا عموما"عليهم، ليُصدم شبابنا مجددا في واقعه بمجرد إطفائه لجهاز الكومبيوتر الذي بين يديه. فالشباب، بالنسبة للعولمة الثقافية، عصبٌ مهم في عجلة الثقافة الاستهلاكية بمركزيتها الغربية تشبها وممارسات حياة.
ثم أليس حريّا بنا استلهام قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام "نُصرت بالشباب". أخيرا أنادي بأن يحاور الأردن شبابه مؤسسيا، عبر الإنصات الفعلي إليهم قبيل الانتخابات وبعدها، لأنهم مستقبله المتجدد والمتنامي باطراد فهل نحن مستدركون؟