الشأن الأردني والساحات العربية

الشأن الأردني والساحات العربية
الرابط المختصر

هل هناك علاقة بين ما يجري عندنا في الأردن وبقية الساحات العربية, فهناك قائل يقول: "دعونا نركز جهودنا على الأردن فقط", هذه عبارة أصبحت ترد على ألسنة بعض الناشطين في المجال السياسي والإصلاحي خصوصاً, بمعنى أن لا نجعل من الحديث حول الثورات العربية المجاورة نقطة خلاف, تؤدي إلى النزاع ومن ثمّ إلى شقّ صف المعارضة, وإضعاف تحالف الإصلاح, وإضعاف أثره في الضغط على أصحاب القرار; من أجل الإسراع في تحقيق الإصلاح المطلوب.

للوهلة الأولى يبدو هناك بعض ملامح الوجاهة لهذا القول, وتكاد تحظى بالقبول لدى عدد لا بأس به - بحسن نيةٍ ربما - من دون البحث عن مصدر هذه المقولة ونواياه الحقيقية.

ولكن عند التمحيص والتجلية نجد أنّ هذه المقولة لا تحمل وزناً حقيقياً من المصداقية, بل تفتقد للوجاهة وتفتقر إلى الصحة في الحوار العلمي الموضوعي.

- إنّ الشعوب العربية تشكّل أمةً واحدةً متجانسةً, عقيدة وثقافة وهويّة ومشروعاً وحضارة, فضلاً عن اللغة والعرق والتراب, وهي تتوق إلى الوحدة والتكامل كما كانت سابقاً, من أجل استعادة القوة والهيبة والمكانة, والقدرة على الإسهام في المشروع الحضاري العالمي, والقطرية مرض عضال فرض علينا من الخارج, أسهم في ضعف الأمّة وتفرقها وجعلها عاجزةً عن حماية أرضها وسمائها وبترولها.

- الساحات العربية تتأثر ببعضها بعضاَ والشرارة التي انطلقت في تونس هي التي أشعلت مكامن الثورة في مصر واليمن وليبيا وسورية وبقية الأقطار العربية, ولا يستطيع أحد أن ينكر هذا التأثّر والتأثير.

- الانتصار والتقدم الذي يتحقق في أي ساحة عربية ينعكس أثره سريعاً على بقية الشعوب العربية في أقطارها, وترتفع معنوياتها وتسهم في اشتعالها في مشروعها التحرري الكبير, فضلاً عن انتقال الخبرات بين الشباب الناشطين.

- لا ننس أنّ الأنظمة العربية متشابهةٌ أيضاً من حيث طريقة الحكم الاستبدادي, سواء عن طريق الفرد أو العائلة. وهناك تعاون وتبادل للخبرات فيما بينها بالتعامل مع مواجهة الأنظمة, وقد ظهر جليّاً في تكوين جيش البلطجية والشبيحة وجموع السرسرية والحرامية المرتزقة المستعدين للدفاع عن النظام الظالم الفاسد, بأقلّ الأثمان وأرخصها.

- هناك تشابه آخر في طريقة (الفساد) في إدارة الدولة, من حيث استشراء الوساطة والمحسوبية والرشوة, والاستيلاء على مقدرات الدولة والاستبداد بالثروة, وتحويل المواطنين إلى عبيد وعمّال في مزارع خاصّة, والاستعانة بالنخب الفاسدة, وعصابات السطو على المال العام المفرغة من الانتماء الوطني, بعيدا عن الإحساس بنبض الشارع الكادح.

- أمّا الأمر الأكثر أهميّة أنّ الثورات العربية هي ثورة مبادئ وقيم بالدرجة الأولى, فهي تطالب بحرية وادارة مطلقة للشعوب المقهورة, وتمكينها من استعادة حقوقها المسلوبة المتعلقة بالحكم, ومصدرية السلطة والمشروعية, وسلطتها في المراقبة والمحاسبة وسيادة العدل ونفي الظلم واستعادة أموال الشعوب المنهوبة.

- والمبادئ لا تتجزأ ولا يجوز اختلال المعيارية واتباع الازدواجية بالتعامل معها, فليس من المعقول أن نؤيد الثورة في مصر, ثم نصف الثورة في سورية بأنّها مؤامرة, فهذا من قبيل ازدواجية المعايير وفقدان المبدئية والمعيارية الصحيحة في الحكم على الأمور.

- ومن هنا فإنّ القول دعونا نتفق على الإصلاح في الأردن, ثمّ نسكت عمّا يجري في دول الجوار لا معنى له ولا مصداقية, فنحن شعب واحد بدماء واحدة, ومبادئ واحدة وحريّة واحدة, لا مبرر إطلاقاً للمجاملة في المبادئ الصحيحة والمعايير الموحّدة, وتزداد الحيرة عندما يكون مصدر هذه المقولة ممّن ينتسب إلى المبادئ القوميّة والعروبيّة زوراً وبهتاناً!!.

ولذلك عند التمحيص والتجلية نجد أنّ التخاذل في الحديث عن ثورة الشعب السوري وتأييدها, أمرٌ يدعو إلى الشكّ والريبة, ويدعو الشباب إلى الكفر بمن يحمل هذه المعايير المزدوجة; لأنّ هذا يدل دلالة واضحة على أنّ المطالبين بالإصلاح لا يعدو أن يكون الأمر لديهم نوعاً من البحث عن المغانم والمصالح الفئوية, وليس البحث عن مصلحة الجماهير العربية كلّها , ونصرتها ضد أنظمة القمع والفساد والتسلّط والجبروت, والظلم والتعسف.

العرب اليوم