الروس يتحسبون لحرب..!

الروس يتحسبون لحرب..!
الرابط المختصر

ترك بيسمارك، موحد ألمانيا (الجارة الأوروبية المباشرة المنافسة لروسيا) وراءه عبارة كبيرة في وصف الروس، لم تقل ولم تنخفض دلالتها إلى اليوم. قال: "الروس يأخذون وقتاً طويلاً في إسراج خيولهم، ولكن ما أن يمتطوها حتى يسبقون الجميع!".

فما بال الروس اليوم، مستعجلون في إسراج خيولهم؟

يستعجلون لأن الوقت يداهمهم بينما هم يتحسبون لحرب. حرب تصنعها الولايات المتحدة، وتشن على بلادهم، وتشهد نهايتها فصلاً من المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين العظميين. ويتقعون وقوعها في مدى زمني يمتد حتى خمسة عشر عاماً مقبلة. مع فترة حرجة، هي الفترة من تاريخ مرور عشر سنوات من تاريخة وحتى خمسة عشر عاماً..!

وهم يسعون لمنع وقوع هذه الحرب..!

إنهم مستعجلون بتصفية البؤر المتوترة التي تقود إليهم، ومصرون على وضع نهاية للمشكلة السورية، على مبدأ إدخال تعديلات وشراكات على النظام القائم، على قاعدة الحفاظ علية، والتمسك بفرص الرئيس الأسد (سوريا تلزمهم وتهمهم). إدخال الملف الإيراني في دائرة المداولات والتفاوض ومعادلة الاتفاقات اللولبية. وضع أفكار وصياغات لشكل العلاقة مع بولندا، ومحاصرة نزعات جمهوريات البلطيق الثلاث لإثبات الذات من خلال توجيه لطمة لروسيا.

وغيرها، وغيرها، وغيرها..!

وهم يأخذون هذا الهاجس (احتمالية الحرب) بجدية تامة، وتتنازعهم في التعامل معه فرضيتان ومزاجان: لسان حال الأول، وهو الغالب، ينطق "إنهم يريدون حرباً، فلا تعطوهم إياها". ولسان حال قوي آخر تستثيره الفكرة فيؤكد "لا نريدها، ولكن خوضها أقل كلفة"..!

هل هي حرب نووية..!

لا. لن تكون حرباً شاملة – هكذا يقدر خبراء المجلس الروسي للعلاقات الدولية، الذي يرأسه وزير الخارجية السابق إيغور إيفانوف. بل هي حرب من نوع تم تصميمه بطريقة خاصة ومحرجة:

-       إنها حرب تنشب في الأطراف، في ظرف تتورط فيه روسيا في العمليات القتالية المباشرة، وتكون طرفاً فيها، وجرها إلى تلك الحرب سيكون مقصوداً، ولكن لا يمكن تجنبه من الجانب الروسي..

-       ستبدأ الحرب بطرف ثالث معني، يدخل بالنيابة والوكالة عن الولايات المتحدة، يملك قدرة على إيلام روسيا والتمادي معها، ويستخدم في ذلك كل قوة الولايات المتحدة وطاقتها، وهو بالضرورة طرف يستفيد من ميزات استراتيجية، وقدارت مناسبة.

-       ستدخل الولايات المتحدة تلك الحرب في هزيعها الأخير. لا سيما إن ضمنت أفضلية ما، وتسجل مشاركة ختامية فيها (نموذج المشاركة الامريكية في الحروب العالمية).

-       هذه الحرب تستهدف تفتيت روسيا، وإعادة صياغتها. فالأمريكيين يرون في "الوطن الروسي" قارة كاملة من الأوطان، التي يجب أن تتحرر من ثقلها، ومساحتها الشاسعة، وتتحول إلى أوطانٍ صغيرة منفصلة، تضم شعوباً مختلفة (ولا بأس إن كانت متناحرة)، بعضها محظوظ بالثروة، وبعضها الآخر مبتلى بالفقر، وبعضها الثالث يدين بثقافة غربية والرابع بهوية شرقية، وبعض خامس وسادس وسابع على حواف الحدود مع الأمم الأخرى، يجاورها معبأً وممتلئاً بعوامل الإضطراب..

واحتمالية هذه الحرب واقعية، لأن:

-       هناك إمكانية أخيرة واحتمال جدي (سيناريو جاهز) لحرب تقليدية (غير شاملة) بين الدولتين العظميين النوويتين.

-       وإن الإدارة الحالية بترددها قد تفسح المجال في نهاية عهدها لإدارة مهوسة بـ"القوة الأمريكية".

-       العمر الافتراضي للولايات المتحدة كدولة موحدة لا يصل إلى خمسة عشر عاماً.

العقل الروسي الذي يسطر على الأمور في موسكو يتمسك بقناعتين: (1) الأمريكيين يحاولون تصميم حرب تناسبهم، يخوضونها أو يخوضها غيرهم، بالنيابة والوكالة عنهم، وتضرب (منذ بدايتها أو حتى في نهايتها) بروسيا (2) باب المغامرات مفتوح، وهناك حلفاء أمريكيون جاهزون للمقاولات العامة المدمرة.

ما ينشره المجلس الروسي للعلاقات الدولية من تقارير "تقدير موقف" تنشغل، عموماً، بشكل استعراضي في البحث عن "القوة المعنية الثالثة"، التي لها نقاط اشتباك مع روسيا، ويمكنها أن تبادر أو تخترع حرباً مع موسكو، نيابة عن الأمريكيين. وتتحسب تلك التقارير كثيراً لاحتمالاتٍ محروقة سلفاً: بولندا، اوكرايينا، جورجيا، جمهوريات البلطيق، اليابان في الشرق وكندا في القطب الشمالي.. إلخ. ثم تنفي في خلاصاتها قدرة كل هذه البؤر على لعب الدور الأمريكي المنشود. ولكن مؤدى ومغزى  كل هذا التحليل والنفي هو ترك احتمال واحد حقيقي.

هو: إسرائيل!

والروس مستعجلون على إيران، لأن من بوابة مهاجمتها، وبتعاون جورجي، ستضطر روسيا للدخول في لعبة الحرب التي لا داع لها (يجب أن نتذكر حرب 2008). وهنا، بالنسبة للروس، يجب أن تخرج إيران من الإزدحام السياسي المتوتر، وبالمقابل فإن إزعاج "حزب الله" لـ"الحدود الشمالية" مناسب تماماً..

وهنا، هم يفضلون سوريا برئاسة بشار الأسد: خصم اسرائيل الجريء والسياسي في آن!

أضف تعليقك