الديمقراطية و الإقتصاد والخيار الشعبي

الديمقراطية و الإقتصاد والخيار الشعبي
الرابط المختصر

أول من أمس نفذت حملة "لأ لرفع الأسعار" بالتشارك مع المكتب الشبابي لكل من حزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي الأردني إعتصاماً أمام رئاسة الوزراء ضد قرار رفع الأسعار المعلن مؤخراً،و بناءً على طلب من وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء كان اللقاء مع وفد من مشاركي الإعتصام، أود في مقالتي هذه الوقوف عند بعض القضايا التي تم نقاشها أثناء هذا الإجتماع و التي قد تدلل بشكل أو بآخر على جوهر "الديمقراطية" في الأردن، كما تدلل على توجه الحكومات جميعها في رسم السياسات الإقتصادية:

1- كان مبرر وزير الدولة لإرتفاع الأسعار وفرض الضرائب هو حاجة الدولة لمورد مالي يغطي نفقات الدولة وبالدرجة الأولى رواتب المعلمين والأطباء وغيرهم من موظفي القطاع العام!! وهنا تتدافع موجة من الأسئلة التلقائية و البسيطة: أين تم ترجمة عائد هذه الضرائب إلى برامج رعاية إجتماعية حقيقية تشمل السكن و العلاج و العيش الكريم؟ أين كانت هذه النوايا عندما بيعت الموارد الأهم للدولة كالفوسفات و الإتصالات وغيرها من القطاعات المدرة للمال للقطاع الخاص وتحت شعار تشجيع الإستثمار و عدم القدرة على الإدارة؟ أين هي رواتب المعلمين و باقي موظفي القطاع العام و التي تؤمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة؟ لمصلحة من يتم رفع أسعار المحروقات في الوقت الذي ينحدر فيه سعر النفط العالمي؟ هل أبدعت الحكومة في إنتقاء الفئة المستهدفة لإستحقاقات الضرائب عندما سلطت نيرانها على الفقراء وأطلقت العنان للتجار ورؤوس الأموال وباركت لهم أرباحهم بإعفاءات لا متناهية إبتداءً من العمالة وإنتهاءًاً بالمسقفات؟هل خيار الضرائب أكثر أولوية من خيارات تخفيض النفقات غير المبررة من مكافآت الوزراء والسفراء؟ إذا كانت مهمة الحكومة هي جباية الضرائب من الناس مع غياب النية لإدارة عملية إنتاج حقيقية، فأين يكمن الجانب المصلحي المنفعي للإنسان في الأردن كي يرتبط بهذه الحكومة أو تلك؟ .

2- "سنضرب بيد من حديد هؤلاء الفاسدين". شعار جميل غائب المعنى وغائب الجدوى. فساد من و أين؟ فساد القطاع الخاص غير المحدد بأي هامش للربح؟ أم فساد القطاع العام في ظل غياب الدور الرقابي التشريعي وغياب الحكومات النيابية وغياب حتى وزارة تموين؟

3- "لم نأتي هنا لنقاش الفكر والأيديولوجيات وإنما للبحث في السياسة، كما أنت إشتراكي فهناك أيضاً رأسمالي". أي سياسة هذه لا تقف على أكتاف الفكر والأيديولوجيا؟ كيف يمكن سحب التفاصيل الكارثية وعزلها من سياقها النظري؟ كيف يمكن لهذه التفاصيل المدمرة أن تتلاشى إذا ما تحطمت آراء سميث وفريدمان وهايك حجراً على حجر. كيف لك أن تهدي العدالة للناس ويقف خلفك أو جانبك قطاع خاص طماع لا يشبع يؤمن بأعلى هوامش الربح ويؤمن بالإنكماش وتخفيض تكلفة الطاقم لصالح تلك الأرباح؟

4- " مع التعديل على أسعار المياه ستصبح التكلفة أقل والمتضرر هم المستهلكين بكميات كبيرة للمياه". لم أستطع أبدأً وبأي منطق رياضي أن أخلص لهذه النتيجة! كيف ستنخفض التكلفة عندما تتكرر الضريبة ثلاث مرات بدل مرة واحدة؟ كيف يمكن للمياه أن تكون في مأمن عندما تكون في أيدي "مياهنا"؟؟!! .

5- "نحن معنيون بالحوار مع الجميع وأخذ النقاط المطروحة بعين الإعتبار"، لم يكن القرار الأخير أبداً قراراً جماعياً، فالسلطة التشريعية وعلى كل عيوب تكوينها ومهامها لم تكن حاضرة؟ لم تتشاور الحكومة في قرارها أي طرف من الأطراف السياسية الحاضرة، ولم تدعو لأي مؤتمر إقتصادي، ولم تجرب في حياتها مصطلحاً غريباً على قاموسها وهو "الإستفتاء الشعبي"؟؟

6- " لا أحد ينكر أن المضاربات والبنوك هي سبب الأزمة التي حلت بالعالم". إعتراف جميل لا معنى له دون خطوات جذرية جريئة، إن محاولات الخروج من الأزمة على طريقة الحكومة هي محاولة لإنقاذ النظام الرأسمالي نفسه من أزمته هو، وبالتالي عودة دورة الإستغلال من جديد وهكذا،، إن الخروج من الأزمة يتطلب تفتيت المنظومة القائمة ذاتها والإنسلاخ عنها وتبني الخيار النقيض تماماً.

ما أود الخلاص إليه في مقالتي هذه أن الحلول من داخل التفاصيل هي تورط إضافي في الأزمة، الحل الإقتصادي واضح، والحكومات جميعها تتعنت في تبني النقيض، كيف للحكومة أن تحل هذه المشاكل وهي تسلم ذقنها بالكامل للقطاع الحاص وأعطياته؟ أما فيما يتعلق بالديمقراطية والحوار فهي إبر تخدير إضافية.

" سأنقل رسالتكم هذه بالكامل و مباشرة لدولة الرئيس".... الشكر كل الشكر، لن يتغير شيء!! إلا إذا أرسلت هذه الرسالة وبالشكل الصحيح لأبناء الشعب الأردني....