الدولة الدينية حين تُعادي الإسلام

الدولة الدينية حين تُعادي الإسلام
الرابط المختصر

دأبَ التعصُّب الإسلاميُّ على اختراع أعدائه، واستعداء المجتمعات والديانات والأفكار، مدفوعاً بخيال المؤامرة، وشراسة الإنكار، بعد كل هذه النكبات العميقة في فشل النظرية والتطبيق، عند حدود سعيهما إلى الدولة الدينية، حتى انتهى الأمرُ إلى محاولات مباشرة لمقاومة كلّ شيء، فكانَ أنْ شهدنا هذه الأجنة المشوّهة، التي كبرت بسرعة، وأصبحت وحوشاً تعيشُ على النصوص والدماء والرؤوس المقطوعة، وتتلذّذُ بعرضِ قدرتها على إرهاب الحياة والإنسان.

بصفته ذهناً يقينياً مُغلقاً بإحكام، فقد توهّمَ "الدوغما" العدوَّ، وصنَّعه، وصنَّفه، واحتكر فهمه. الدول الدينية، ونماذجها المعلنة والخجولة. الفاعلون في الحركات الإسلامية السلفية، ومنظّروهم في المؤسسات الدينية الرسمية في العالم الإسلامي متفقون اليوم، على أنَّ الإسلام يواجهُ عداءً وأعداء من الداخل والخارج. دول كبرى كافرة. أنظمة حُكم، ومجتمعات مسلمةتتبعُ لها. ليبراليون وعلمانيون (مُلحدون). ثمَّ أتباع ديانات ومذاهب، كالمسيحيين، والشيعة، مع حضور أقل لليهود و"اسرائيل"، في تصنيف الأعداء!

تقولُ "اختصاصيةٌ" في الكيمياء، تدافعُ عن نجاعة "أبوال الإبل" في علاج أمراضٍ مختلفة؛ ليس من بينها الجهل، إنّ "شركات الأدوية في الغرب" تقف ضد هذا الاكتشاف. سألها شابٌ عن معنى طلب الأطباء إجراء تحليلٍ مخبري للبول، للكشف عن الجراثيم المسببّة للأمراض، فلم تجدُ – خلال ندوة مشهودة – سوى التأكيد أن ذلك "ما يُكرِّره أعداءُ الإسلام"!

المتطرّفون الذين يؤلفون الكتب، ويعيشون على مزادات الفتاوى، لا يتركون "الاختصاصية الكيميائية" وحدها. فـ "أعداء الإسلام" شرائحُ واسعة، والحروب معهم تُخاضُ على كل الجبهات. "داعشُ" مثلاً، وهي تُلخّص جهوداً متراكمة في البحث عن الخلافة الإسلامية، وحين بلورت نسختها في "دولة"، قالت إن أعداءها هم: الصليبيون، والمرتدون، والروافض (الشيعة). كما هي "القاعدة" و"حركة الشباب المسلم" و"النصرة" و"بوكو حرام" وغيرها، وهذه تنظيماتٌ تُدينها الدول الدينية التي سقت وتسقي جذورها التكفيرية في المنطقة، وترفضُ شرعيّة تمثيلها الإسلام، غير أنها توافق على كثيرٍ من تصنيفات العدو المُدرجة في أدبيات الحركات الإرهابية، خصوصاً المنافسين من الليبراليين والعلمانيين، الذين ينادون بالتعددية السياسية، وبالعقلانية، ويطالبون بالدولة المدنية التي لا مكان فيها للشرعيّات الدينية.

العداء نفسه، كان يُنظر له ضمن مفهوم "صراع الحضارات" والمكاسرات بين مكوّناتها، قبل أنْ يدفعَ المسلمون الخصومة إلى اقصاها مع العالم. دفعٌ بالفعل المضاد، كما أظهرته اعتداءات 11 سبتمبر، وما تلاها من تفجير محطات القطارات والمطارات والبشر، ودفعٌ بحراسة اليأس والنقمة، والعجز عن التغيير، والاشتباك مع البيئات السياسية والاقتصادية ذات الخصوبة العالية المهيأة دائماً لولادة التطرف والعنف الدينيّ. ودفعٌ خارجيٌّ، ساهمت فيه الدول الكبرى، وهي تتحرك بفاعلية ضد مظاهر الخطر، بعد 2001. ثم يأتي دونالد ترامب، مثالاً على ما يُحرّك مشاعر الغربيين تجاه ثقافة تُعاديهم، فيجدُ تأييداً حول صناديق الاقتراع، في ظل صعود يمينيّ مشابه في أجزاء من أوروبا ضدّ اللجوء وهجرات المسلمين.

الإسلامُ متهم، والمسلمون مُدانون. هذه هي الصورةُ في العالم منذ نحو عقدين. كلُّ نفي من دون جدوى. وكلُّ إنكار لا يُقدم شيئاً، إلا في سياق تجميد الحلول، وتأجيلها. النقاشُ في كيفيّة الخروج من الكارثة وعواقبها، بلغ حدوداً قصوى في الإشباع. ثمة في الغرب من بات يراه استهلاكاً، لكسب مزيد من الوقت، وتبدو خطابات بعض الزعماء العرب في المحافل الدوليّة نموذجاً على ذلك، حينما ترفعُ مستوى التركيز على صورة الإسلام، كما تفهمها الحكومات العربية والإسلامية، وكما تستخدمها في إدارة أزماتها مع المزاج العام، وليس كما يراها الغرب، وصحافته التي تتحدث عن سوء التعليم، وغياب الديمقراطية، والخوف من الإصلاح السياسي.

ما لم تقله الدولُ العربية والإسلاميةُ، ولم تعترف به، حتى الآن، أنّ العداء للإسلام يعكسهُ الضوءُ المنبعثُ من الأجسام إلى المرآة. الإبصارُ يقتضي رؤية الصورة الكلية وتفاصيلها وانعكاساتها كما هي. وليس أكثر من حضور الدولة الدينية، وشبه الدينية عداءً للإسلام، حينما تتخلى عن وظيفتها ودورها في تنمية المجتمعات، وبسط نفوذ القانون والعدل، وإعلاء شأن العلم والنقد، من أجل أنْ تتوسّلَ رضىً، كأنه وظيفة دينية.

ذلك، ليسمعَ العالمُ منا لغةً جديدة.

 

باسل رفايعة: صحافيّ أردنيّ، عمل في صحف يومية محلية، وعربية.