الدعاية الانتخابية للقوائم الوطنية

 الدعاية الانتخابية للقوائم الوطنية
الرابط المختصر

يستمر المرشحون المستقلون بحملاتهم الانتخابية التي تغزو شوارع المملكة وأرصفتها وجسورها؛ حيث يتنافسون على حجز أكثر الأماكن مشاهدة ولفتا للأنظار اعتقادا منهم بأن صورهم التي تحمل ابتسامات عريضة وشعارات انتخابية أقرب إلى المثالية ستدفع بالناخبين إلى التصويت لهم بكثافة يوم الاقتراع. وفي مقابل هذا الغزو الانتخابي للمرشحين المستقلين فإن الدعاية الانتخابية للقوائم الوطنية ما زالت على استحياء غريب رغم الثقل السياسي والاقتصادي لمعظم قادتها والصفوف الأولى فيها. فالقوائم الوطنية ليست حزبية وسياسية لتعاني من ضعف في الموارد المالية تبرر شح الحملات الانتخابية، بل هي عبارة عن تجمع عدد من ذوي الثقل المالي والعشائري الكبير والقادرين على الصرف والبذخ، إلا أنه ورغم ذلك لم ينعكس هذا الواقع بعد على حجم الدعاية الانتخابية للقوائم الوطنية.

وفي هذا الصدد وعلى فرض أن الأمور ستزداد سخونة مع الأيام، فإن التساؤل يثور حول الآلية التي ستتبناها القوائم الوطنية في حملاتها الانتخابية، فهل سيقوم طاقم القائمة بزيارة المدن والقرى الأردنية للتعريف ببرامج القائمة الانتخابية وأهدافها وطموحاتها الانتخابية؟ وهل سيقوم مرشحو العاصمة عمان المدججون بأسطول من السيارات الفارهة والمرتدون للبدل والمعاطف الأجنبية بالتوجه إلى أقصى الجنوب حيث القرى التي لا وجود لها على سجلات المؤسسات الحكومية، أو إلى أقصى الشمال فالشرق والغرب حيث تنعدم مقومات الدولة هناك وينتشر الفقر وتنعدم أبسط الخدمات العامة سعيا إلى الوصول إلى المرشحين؟ وكيف سيستقبل أولئك السكان الذين قست عليهم الحياة هؤلاء المرشحين من عمان وقوائمهم الوهمية؟ وماذا سيقدم المرشحون لأولئك السكان أثناء زياراتهم على فرض حدوثها، وبأية لغة أو منطق سيطرحون عليهم شعاراتهم الانتخابية من عيــــــــش كريم وكرامة اجتماعية وعــــــــدالة إنسانية التي لا وجود لها إلا في أجندتهم الانتخابية الخاصة بهم.

إن المؤشرات الأولية تشير إلى أن أيا من هذه السيناريوهات لن يحدث، وأن القوائم الوطنية قد اتخذت لها من العاصمة عمان مقرا دائما لها تعقد فيها مؤتمراتها الصحافية وتصدر بياناتها وتستقبل مؤازريها من مختلف المحافظات الأردنية لتغدق عليهم الطعام والشراب، فلم نسمع بعد عن قائمة وطنية أعلنت انطلاق حملتها الانتخابية من خارج العاصمة عمان، أو حتى ضمّنت برنامجها الانتخابي مشروع النهوض بالمناطق الأقل حظا، وتنميتها أسوة بنظيراتها من المدن الأردنية.

أما الدعاية الانتخابية المحدودة التي طرحتها القوائم الوطنية حتى الآن فقد تمركزت بشكل كامل حول شخص رئيس القائمة الذي تنتشر صورته فقط على اللوحات الدعائية، وكأن رؤساء القوائم الوطنية قد سخّروا هذا النظام الانتخابي الجديد وباقي المرشحين الصوريين لخدمة مصالحهم الخاصة بهم والمتمثلة في الوصول إلى البرلمان.

إن أسلوب التعريف بالقائمة الوطنية وربطها برئيسها المفوض عنها قد رفضته الهيئة المستقلة للانتخاب، وذلك عندما اعتمدت الرمز والشكل الخاص بكل قائمة وطنية على ورقة الاقتراع بدلا من صورة مفوض القائمة، ومع ذلك فما زال المفوضون يصرون على احتكار نظام الترشح بالقائمة وشخصنة القوائم الوطنية في الدعاية الانتخابية لمصالحهم الذاتية. فالغالبية الساحقة من هذه القوائم تدور في فلك مرشح واحد يتزعم القائمة وتصبح وظيفة بقية المرشحين حشد الأصوات لصالحه، وهو ما يعزز مخاوف حضور المال السياسي في تجربة القوائم. وأمام هذا الواقع الانتخابي الذي نعيشه، تزداد أسباب الحكم بفشل تجربة القوائم الوطنية، فناهيك عن إفراغ الفكرة من مضمونها المتمثل في إعطاء الحق للحزبيين والسياسيين بتأسيس قوائم وطنية توصلهم إلى مجلس النواب وتقريره لأصحاب المعالي والعطوفة والسعادة من رؤوس الأموال وأصحاب الاستثمارات الكبرى، فإن القائمة الوطنية يفترض بها أن تفرز نواب وطن يمثلون الأردنيين من شتى أصولهم ومنابتهم كافة، وهو ما يتطلب أن تتم الدعاية الانتخابية باسم القائمة الوطنية و المرشحين فيها كافة، وأن تحصل القائمة على أصوات الناخبين من معظم أنحاء الدولة الأردنية، وهو الأمر الذي يحصل أبدا إذا ما بقي مرشحو القوائم الوطنية متقوقعين في العاصمة عمان يديرون منها حملاتهم الانتخابية.

إن غياب الطابع الحزبي عن تشكيل القوائم الوطنية قد دفع بالمال السياسي إلى أن يكون العامل الأساسي في التقاء المرشحين مع بعضهم بعضا تحت مظلة قائمة معينة وفي سطوة أكثرهم مالا ونفوذا على ترؤس القوائم. فهذه الشخصيات الأردنية ستستقر في العاصمة عمان وستجند لها جيشا من المندوبين تطلقهم في أركان الدولة الأردنية كافة لتجميع أصوات الناخبين وتسويق القوائم الوطنية. هنا تكمن الخطورة بأنه في ظل بقاء المرشحين وحملاتهم الانتخابية في العاصمة عمان، فإن وسائل الإعلام ستتمركز حولهم، ولن تبالي بالمندوبين والوكلاء الذين سيطوفون المدن والقرى الأردنية لإقناع الناخبين بالتصويت للقوائم الانتخابية ووسيلتهم الوحيدة في ذلك هي إعمال المال السياسي. فالهدايا والغنائم التي سيوزعها المندوبون باسم القوائم الوطنية ستكون هي الآلية الوحيدة لإجراء الدعاية الانتخابية في القرى الأردنية بغية إقناع الناخبين وحصد أصواتهم. وما سيسهل من مهمة شراء الأصوات للقوائم الوطنية أن الناخب لا يتعامل مع أسماء قوائم أو شخــــــصيات معينة يوم الاقتراع وعند الإدلاء بصــوته، بل بمجرد رموز معينة يسهل حفظـــــــها عن ظهر قلب واختيارها يوم الاقتراع كالشمس أو القمر.

إن هذه الترتيبات التي أوجدتها المنظومة القانونية التي ستحكم إجراء الانتخابات المقبلة قد أفرغت تجربة القوائم المغلقة من مضمونها الدستوري ومن الغاية التي تقررت من أجلها. فلا أعتقد أنه قد تبادر إلى ذهن المشرع الأردني عند إقرار قانون الانتخاب أن نتائج تطبيقه على أرض الواقع ستكون بهذا السوء. من هنا تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى ضرورة العمل على تعديل قانون الانتخاب من خلال مجلس النواب القادم وبالسرعة القصوى، وذلك إرضاء للشعب الأردني وأطيافه السياسية المختلفة. فخواطر الأردنيين لن تهدأ بعد إعلان نتائج الانتخابات التي ستفرز حتما شخصيات لن تلقى الترحيب والتهليل على الصعيد الشعبي نظرا للأسلوب الذي تمكنت من خلاله من شراء مقاعدها البرلمانية سواء على صعيد أفراد مستقلين أو قوائم وطنية. فمكامن الخطأ في قانون الانتخاب الحالي قد أصبحت بادية للعيان ولا تحتاج إلى خبراء دستوريين أو سياسيين لالتقاطها والتنبيه إليها، مما يعني أنه يجب أن تبادر الحكومة منذ الآن إلى التفكير في مشروع تعديل قانون الانتخاب بانتظار استكمال تشكيل مجلس النواب السابع عشر.

*أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم