"الخطة الوطنية لمواجهة فرانكشتاين"

"الخطة الوطنية لمواجهة فرانكشتاين"
الرابط المختصر

كلّ مَن اطلع، ويطلع - إذا لم يكن فعل هذا بعد- على "الخطة الوطنية لمواجهة التطرف"، سيوقن بأنّ الدولة الأردنية ليست غائبة أبداً عمّا جرى ويجري من اختراقات للنسيج الاجتماعي الوطني، وانتهاكات صارخة لمبدأ التعددية، وتغوُّل متنام للمدّعين امتلاك الحق الأرضي والحقيقة الإلهية. الدولة ليست غائبة اليوم، ولم تكن غائبة طوال الوقت الممتد على أزيد من عقدين من السنين. فماذا، والحالة هذه، سبب انتظارها الطويل و"صبرها" حتى الآن، لتخرج علينا، كمجتمع أردني، بهذه الخطة الوطنية لمواجهة التطرف؟ خطة أظهرت المفاصل الرئيسة والأكثر حساسية للجهات والمؤسسات القادرة، كونها "أذرعة الدولة"، على لَجْم آليات التطرف والمشتغلين على إذكائه، وعلى سد المنافذ والبؤر التي استطاعوا من خلالها النفاذ إلى عدد من طبقات المجتمع، والنجاح في تأطير جملة مفاهيم ارتكزت إلى الدين وفقاً لـ"رؤيتهم" الخاصة أدّت، في ختام "اجتهاداتها"، إلى حالات التطرف. التطرف الذي بلغَ حد التكفير الجماعي، وتحليل سفك دماء الأبرياء من البشر، وتحويل المكوّنات للبنية الاجتماعية المتنوعة في انتماءاتها الفكرية، والدينية، والمذهبية إلى مجرد "فئات" شطرتها بشفرة: هذه إلى الجنّة، وهذه إلى النار!

تفاصيل وحيثيات ذلك كلّه لم يكن غائباً عن الدولة. عن "أذرع الدولة" وأجهزة الأمن فيها لم يكن الخراب المتفشي في أركان المجتمع غائباً أو غير مقروء جيداً؛ وإلّا كيف نفسّر هذا "الإحكام" الواضح في بنود الخطة، بحسب ما نُشرت جميع تفاصيلها؟

هذا سؤالٌ برسم الدولة، أي برسم جميع الحكومات التي أدارت شؤننا عبر ما يقرب من ثلاثين سنة. أدارت شؤوننا بتخبط نحصد نتائجه اليوم، وأدارت ظهرها لِمْا كانت تعرف من تخريب وتفكيك، وذهبت حتى الأقصى في تجاهل التيارات المتدفقة في طبقات المجتمع السفلى؛ إذ نجحت تلك التيارات المتسربلة بالثوب الديني وهيبته لدى العامة وإطلاقيته، في إعادة تخليق مجتمع آخر، يتبنّى مفاهيم متطرفة لا تُقرأ إلّا بوصفها تحريض على كلّ ما/ ومَن هو مختلف!

أعود لطرح السؤال: لماذا الآن، يا دولتنا الرشيدة؟

وأجتهد فأجيب: ألأنّ ما كنتِ عملتِ على تبنيه، وتغذيته، وتكريسه، بديلاً ولاغياً لسواه من قِوى سياسية وطنية، وقومية، ويسارية، ونقابية حقيقية، وفكرية تنويرية؛ هذا "المُتَبَنى" كبرَ.. وتوحشَ.. وتغوّل، فارداً أذرعته بمسميات شتّى، مبقياً على الثابت فيه حاضناً أصيلاً لجميع هؤلاء؟ ألأنّ هذا الـ"فرانكشتاين" تمرد على صانعه، وطفقَ يهدده في مفاصل سلطاته؟

يكفي هنا أن نشير إلى "أذرعة الدولة" المناط بها تنفيذ بنود "الخطة الوطنية لمواجهة التطرف"، لكي ندرك أنّ ما سوف يُعمل من أجل إنجاحها (إذا ما توفرت النوايا الصادقة لدى الجهات ذات الصلة، وإذا ما كانت مؤهلة أصلاً لهذه الغاية)، سيستغرق أضعاف الزمن، والجهد، والمثابرة، والذكاء وما بُذل من أجل "تخليق" كائن بات متطرفاً حدّ هدم المجتمع.. وبالتالي الدولة:

وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، وما ينبغي عليها تصويبه يقع في 49 بنداً. دائرة الإفتاء العام، 10 بنود. وزارة التنمية الاجتماعية، 17 بنداً. وزارة التربية والتعليم، 15 بنداً. وزير الدولة لشؤون الإعلام، 16 بنداً المجلس الأعلى للشباب، 4 بنود. وزارة الداخلية، 16 بنداً. وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، 13 بنداً. وزارة التعليم العالي، 10 بنود. وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، 6 بنود. القوات المسلحة، 8 بنود. مديرية الأمن العام، 11 بنداً. مستشارية شؤون العشائر، 9 بنود.

إنّ التدقيق في كلّ بند من هذه البنود يكشف لقارئ المجتمع ووقائعه كم هي الألغام المزروعة بين ظهرانينا، ويالتالي كم نحتاج من "خبراء" في إزالتها ميزتهم الأولى: الانتماء للوطن الواحد أولاً، بكافة تلاوين الناس فيه.

*   *   *

تحتاج "الخطة الوطنية لمواجهة التطرف" لقراءات كثيرة؛ ففيها ما يستوجب الحوار، ويستدعي المراجعة، ويضطرنا للتساؤل عن مدى قدرة الدولة على الالتزام ببنودها، وتطبيقها بنجاح.

 

إلياس فركوح: كاتب وروائي. حاصل على جائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية في حقلي القصة القصيرة والرواية.

 

أضف تعليقك