الخريطة النيابية بعد الثقة

الخريطة النيابية بعد الثقة
الرابط المختصر

أحداث اليومين الماضيين زادتني قناعة بموقفي.

والحقيقة أنني لم اتخذ القرار بمنح الثقة لحكومة د. عبدالله النسور بيسر أبدا؛ فقد كانت هناك اعتبارات متضاربة تدفع بالاتجاهين.

وأعتقد أن العديد من النواب كانوا في مثل موقفي، وأعتقد أن أصحاب التجربة الجديدة منهم عاشوا تمرينا عنيفا على اتخاذ القرار.

وأصدّق تماماً ما قاله الزميل فهد الخيطان، في مقاله أمس من واشنطن، بأن جلالة الملك وطاقم الديوان الملكي تابعوا التصويت ولم يكن لديهم أي فكرة عن النتيجة.

وبالفعل، فالموازين كانت متقاربة، بل إن قادة الحجب كانوا أقرب إلى اليقين بالفوز، وبعض النواب اتخذوا في الساعات الأخيرة قرارهم الذي تجنبوا إطلاع غيرهم عليه حتى لحظة التصويت، لمنع الضغوط عليهم.

وما أريد قوله في المحصلة، هو أن الديمقراطية حققت مكسبا كبيرا حين ظهر أن النتيجة لم تكن في جيب أحد، وأن التجاذبات الحرة حتى الدقيقة الأخيرة هي التي حسمت الموقف بالفارق المحدود الذي رأيناه.

هذه الحقيقة تنعكس على أجواء ما بعد الثقة؛ إذ نجد توجها من بعض الوسط النيابي إلى مأسسة الحجب في ائتلاف معارضة، مقابل توجه آخر وسط المانحين لتشكيل ائتلاف حكومي، منطلقين من افتراض أن الحكومة نجحت بأصواتهم، وبالتالي هم مسؤولون عنها، وهي مسؤولة أمامهم؛ فهم الذين سيحاسبهم الجمهور ويسائلهم على الأداء الحكومي.

وبهذه الصيغة، نكون بالفعل، لأول مرة، أمام النمط الديمقراطي المعروف بوجود أغلبية برلمانية في الحكم وأقلية برلمانية في المعارضة، وهو ما يرتقي بالأداء العام لأدوار الحكم بالبلد، وهو ما يريده جلاله الملك وفق السيناريو المعروض في أوراقه النقاشية.لكن المشهد لن يكون بهذا الإتقان الجميل، مع الأسف!

فالحجب والثقة يتوزعان على جميع التلاوين، وقد اخترقا جميع الكتل أفقيا.

فمثلا، أجندة بعض الحاجبين تتناقض جوهريا مع أجندة حاجبين آخرين، ولا يمكن تخيل هؤلاء يضعون أيديهم بأيدي أولئك.

وبعض الكتل قد تنشق أو تتفتت على خلفية التصويت الذي حصل، لكن كتلا أخرى ستبقى حريصة على وحدتها.

أستطيع أن أقول عن كتلة التجمع الديمقراطي مثلا، إن منطلقات المانحين والحاجبين كانت واحدة؛ فهم متحدون بقوة على برنامج إصلاحي مفهوم ومتفق عليه، لكن كلا الطرفين اجتهد بصورة مختلفة حول مصلحة الإصلاح والتقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

البعض رأى أن سقوط الحكومة يرمينا إلى الخلف بيد القوى المحافظة وقوى الفساد، بينما رأى الحاجبون أن إسقاط الحكومة سيعطي دفعة قوية للديمقراطية، حتى لو لم يكن واضحا لديهم ما البديل القادم.

وفي المحصلة، فمن وجهة نظري أن دور الطرفين سيكون متضافرا للضغط باتجاه تنفيذ الأجندة الإصلاحية للكتلة، والتي تحتاج إلى تحشيد أكبر دعم لها في مجلس النواب وخارجه.

إذن، سيناريو الائتلافات المقبلة ليس مضمونا تماماً، ثم إن هذه الحكومة هي مجرد محطة انتقالية فقط نحو تشكيل الحكومة البرلمانية التي سيفتح حولها الرئيس حوارا في الأسابيع المقبلة، حسب التزامه في مفاوضات الساعة الأخيرة مع بعض الكتل.

وفي هذا المسار، سنشهد خلطا للأوراق، وتمرينا  ثانيا مجهدا في عملية إنشاء الحكومة البرلمانية، يصعب التكهن بالمشهد النيابي الذي ستنتجه.

الغد

أضف تعليقك