الحكومة تقود الحراك

الحكومة تقود الحراك
الرابط المختصر

لا نعرف كيف استهانت الجهات الرسمية بردة الفعل الشعبية على قرار رفع الدعم عن بعض المشتقات النفطية، خاصة أن لها تأثير مباشر وعملي على حياة الناس، بالرغم من كل التحذيرات والمؤشرات وبالرغم من كل تاريخ الانتفاضات الأردنية والعربية والعالمية التي تبعت إجراءات مماثلة من معان إلى تونس ومن أمريكا اللاتينية إلى أوروبا.

فحتى لو اجتمعت كل الحراكات في الأردن، وكل الأحزاب والتيارات، بما فيه ذلك تنظيم الإخوان المسلمين، ووحدت صفوفها وبرامجها لما نجحت في تنظيم الاحتجاجات الواسعة ، فحديث رئيس الوزراء على التلفزيون الأردني كان أهم وأقوى فعالية من أي خطاب تعبوي وأكثر فعالية في تحشيد الفئات المسيسة وغير المسيسة، للخروج إلى الشارع لإعلان الرفض والتحدي.

فالناس، وبالأخص الفئات الشعبية، لا تحتاج إلى شهادات في علم الاقتصاد، لكي تفهم ما يعنيه ارتفاع أسعار قارورة الغاز والبنزين على حياتها، ولا تأبه بلغة الأرقام الكبيرة لأنها خبيرة في لغة الأرقام الصغيرة، من دنانير وقروش، التي تحسبها يومياً من أجل تأمين لقمة العيش والكسوة ونفقة المواصلات وأقساط المدارس وإيجار بيت، ولأنها تصارع يومياً للصرف في حدود موازنة متواضعة، أصبحت أكثر تواضعاً خلال لحظات من الإعلان الرسمي عن رفع الدعم.

محاولة الدكتور عبد الله النسور استعمال لهجة "دافئة" للدخول إلى غرف المعيشة، لا تعوض عن قارورة الغاز في إشعال "الصوبات" وإبقائها مشتعلة، بل بالعكس فإن كلمات الرئيس أدخلت البرد والصقيع إلى ملايين البيوت ولن تتخلص منها حتى لو تلا الرئيس عشرات من أبيات الشعر التي يحفظها.

لن أدخل مطولاً في التهويل، الذي يؤكد بعض الاقتصاديين، الذي استعمله الرئيس في تقديره للعجز، ولكن من غير المستغرب أن تلجأ كل الجهات الرسمية إلى التخويف والترهيب، لأنها ليس بيدها إلا هذه الوسائل لإجبار الفئات غير المقتدرة على قبول تفاقم عوزها والطبقة الوسطى على تقبل تدهور مستواها المعيشي.

لكن إذا كان الرئيس يعي تماماً، أن دمج الهيئات المستقلة، وزيادة رسوم التعدين وضريبة البنوك، سيحد من هدر النفقات وتوفير مصادر دخل لتصحيح عجز الموازنة فلماذا لم يحارب من أجل تطبيق ذلك عندما كان في مجلس النواب، وقبل القبول بتنفيذ مهمة رفع الدعم؟

وكيف سيقوم بذلك والبرلمان غائب؟ إلا إذا كان يعتقد أن إقباله على تنفيذ هذا القرار التاريخي، هو جواز سفر إلى رئاسة ثانية بعد الانتخابات النيابية، وإذا كانت النية الرسمية باتخاذ مثل هذه الخطوات لماذا تم تأجيلها؟ إلا إذا كان القصد، وهذا واضح، ووضع المواطن الأردني في الزاوية وتحميله أعباء المديونية والعجز والتزامات لصندوق النقد الدولي لم يستشر به ولم يعلم به المواطن؟

أما عن مقارنة القرار بقرارات مشابهة من الحكومات الإسلامية في كل من مصر وتونس فهي مرفوضة، ليس لأن تلك الحكومات منتخبة كما يجادل بعضهم، فصحيح أن لا شرعية حقيقية لقرارات إستراتيجية تتطلب مشاركة شعبية في تحمل عبء المعاناة من دون حكومات تحظى بتأييد برلمانات جاءت على أساس انتخابات حرة ونزيهة، لكن المسألة أشد تعقيداً من ذلك.

لأنه كون الحكومات منتخبة لا يعفيها من مسؤولية سياسات تعمق التبعية السياسية والاقتصادية لبلادها، ولأنه بالأساس لا بد من مراجعة السياسات قبل الإقدام على إجراءات تضرب فئات واسعة في معيشتها.

إحدى مشكلات التفكير الرسمية أنها لا ترى إلا الحركة الإسلامية، وتجتهد في مواجهاتها ولكنها الآن مجبورة إلى مواجهة مع قطاعات .

العرب اليوم

أضف تعليقك