الحكومات في الأردن: كيف يتم ترحيلها؟

الحكومات في الأردن: كيف يتم ترحيلها؟
الرابط المختصر

تأتي حكوماتنا من فراغ، فليس أمامها برنامج لحكومة سابقة لتراكم عليه؛ وتذهب إلى فراغ، إذ لا تملك برنامجاً خاصاً بها لتعمل على تنفيذه، وإنما بيان فضفاض يمثل اجتهادات خاصة لبعض من فريق الحكومة، يستمدها من كتاب التكليف الملكي.

ومعلوم أن كتاب التكليف لا يمثل برنامجاً أيضا، وإنما هو خطوط توجيهية عامة.

وبغياب البرنامج، تبدأ الحكومة العمل اجتهاداً من رئيسها ووزرائها، في ظل مؤسسية ضعيفة، وفردية يعززها نقص في آليات التنسيق وغياب التجانس في الرؤية والأهلية بين الفريق الوزاري.

يحدث هذا في ظل وضع استثنائي، تلعب فيه الحكومات المتعاقبة لعبة ترحيل الأزمات تهرباً من مواجهتها.

فكل حكومة تأتي تتلقف من سابقتها كرة الثلج المتدحرجة وقد كبرت. ومع غياب برنامج لديها، وفي ظل فريق وزاري غير متجانس، وتحت تأثير الشعور بقصر عمر الحكومة، تجد أن لا قبل لها بما يواجهها من مسؤوليات، فتبدأ بممارسة لعبة الحكومات التي سبقتها؛ بترحيل أزمتها الى الحكومة التي ستأتي بعدها.

وتكتفي مضطرة إلى التعامل مع الأزمات المتفجرة دون غيرها، ومعالجة آثارها دون أسبابها. وما إن تظهر بوادر عجزها المتوقع، حتى تبدأ الحكومة بالانكماش والتراجع، وتتعثر خطواتها، وتنحو نحو التعديل، لعل في ذلك تطمينا للناس وإنقاذا لها من حرجها، على أمل تصريف ما تبقى من عمرها بأقل الخسائر.

ما تقدم يرافقه هجوم الخصوم السياسيين الذين لا يكفون عن إثارة الشكوك حول أداء الحكومة ونواياها، ويوجهون سهامهم لها عبر صالوناتهم السياسية وحلفائهم في الصحافة. وقد أصبح النواب بعد عودة الحياة النيابية جزءا من هؤلاء، بجنوحهم إلى لعبة المشاركة في الحكم مع الحكومة على قاعدة تبادل المصالح.

وبتأثير من تواضع الأداء، أو قل، سوئه، ومن هجوم الخصوم السياسيين، تكون الحكومة انتقلت من أزمتها الذاتية الى أزمتها الموضوعية مع الخصوم السياسيين، ثم مع الشارع من بعدهم.

وهنا تبدأ مرحلة فقدان التوازن والترنح، ويبدو البلد وكأن لا حكومة فيه، يسير بفعل آخر شحنة دفع لديه، وينتظر أن يتوقف في أقرب لحظة مقبلة.

وما من شك أن لترحيل الحكومات أسباب خارجية إقليمية ودولية أيضا. فالدول الصغيرة، شأنها في السياسة شأنها في الاقتصاد، تتأثر بالأحداث أكثر مما تؤثر فيها.

وتحتاج الدولة، والحالة هذه، إلى أن تتوافق حكوماتها مع قوى التأثير الإقليمية والدولية، فيضطرها ذلك إلى استبدال حكومة تراها غير مناسبة لظروف ما، بحكومة أنسب منها. ونتذكر جميعاً أمثلة على ذلك من حكومة تناسب انفراج علاقتنا مع دولة مجاورة، إلى حكومة تناسب انفراج علاقتنا مع دولة مجاورة أخرى.

هكذا تبدو صورة رحيل حكوماتنا؛ تأتي الحكومة مشيعة بالرحيل، بفعل أسس تشكيلها وثقل المهمات التي تنتظرها، لتباشر مسؤولية الحكم بدون برنامج محدد، وبفريق وزاري غير مؤهل ولا متجانس.

وما تكاد تبدأ، حتى تتدحرج إليها ملفات أزمات كثيرة شبعت تراكماً جراء ترحيلها من حكومة إلى أخرى. يرافق ذلك "طخ" سياسي مكثف تقوده الصالونات السياسية التي امتهنت مناوأة الحكومات.

وقد أصبح النواب من أبرز وجوه تلك الصالونات في العقدين الأخيرين؛ مما يضيف بعداً موضوعياً إلى أزمة الحكومة، إلى جانب بعدها الذاتي. وتتعمق أزمتها الموضوعية مع فقدان الثقة بقدرة الحكومة على تحمل المسؤولية، وتململ الشارع، وتعبيره عن ذلك في الصحافة والمنتديات، ومن خلال النقابات المهنية وأحزاب المعارضة التي أخذت دورها في العقدين الأخيرين.

وبين أزمتها الذاتية والموضوعية، يصبح لا بد من تدخل القصر لبعث الحياة من جديد في إدارة البلد السياسية. وهكذا تنسحب الحكومة غير مأسوف عليها، مخلية المكان لحكومة لاحقة يعلم الجميع أنها لن تكون أحسن حظاً من سابقاتها.

الغد