بالتأكيد، فإن خيبة الأمل من قرار الحزب الشيوعي بمقاطعة الانتخابات النيابية قد أصابت أصدقاءه ومناصريه، أكثر مما تتوقعه قيادته التي اتخذت القرار، أو للدقة المجموعة التي ضغطت لجرِّه إلى هذا الموقف الغريب.
فالحزب الذي يناضل منذ الخمسينيات لتحقيق الإصلاح السياسي في البلاد، وشارك منذ عام 1951 في الانتخابات كلها في البلاد، نيابية وبلدية ونقابية وطلابية، ولم يتخلف في أحلك الظروف وأشدها قسوة زمن الأحكام العرفية، يصل في نهاية المطاف إلى أن يقرر مقاطعة الانتخابات، فهذا بالضرورة ليس موقف الحزب الشيوعي الأردني، الذي رشح في عام 1956 القامة الشيوعية الأبرز يعقوب زيادين عن مقعد القدس وفاز نائبا.
فكل أصدقاء الحزب الشيوعي ومناصريه حريصون على هذا التاريخ، أن يبقى عصريا، غير متأثر بجماعات سلفية في قيادة الحزب، ومن غير الجائز أن يتم خطف قرار باتجاهات بعيدة عن تاريخه الناصع.
فالشيوعيون هم آباء المطالبة بالإصلاح السياسي، وأم الواقعية السياسية، وحساب موازين القوى، ويعرفون أن المقاطعة قرار عدمي، لا تبني أي مدماك في عملية التغيير، وفي المشاركة إمكانية قد توفر لحزب أمضى طوال سنوات عمره مضطهدا، منبرا يمكن أن تصل رسالته السياسية والاجتماعية من خلاله، ومن خلال الحملة الانتخابية أولا.
ليس مكان الحزب الشيوعي مقاعد المقاطعين، فهذه المقاعد لأحزاب وشخصيات تعودت على الدلع السياسي والحرد، والصوت العالي، والمعارضة المجانية، وفرض رأيها من دون النظر إلى موازين القوى، وللأسف فإن قرار الحزب الشيوعي منح قرار المقاطعين شرعية، بعد أن كانت ناقصة، ومقتصرة على تيار مأزوم وحده.
أعرف تركيبة الحزب الشيوعي جيدا، وإذا كان بعض قياديي الحزب يتوهمون أن قرار المقاطعة، سوف يمنع ظهور الخلافات في الحزب إلى العلن، وانهم اشتروا وحدة الحزب بقرار المقاطعة، فإن حجم الاحتجاج على القرار سوف يكون أكبر بكثير، في حزب تعود ـ للأسف ـ على النزف الدائم لأبرز أعضائه، وأكثرهم ثورية وواقعية.
يسجل للأحزاب القومية واليسارية الأربعة (حشد والبعثين الاشتراكي والتقدمي والحركة القومية) جرأة القرار في الظروف الصعبة، حيث رفضوا أن يخضعوا لابتزاز أصحاب الصوت العالي، وقرروا المشاركة في الانتخابات، لأنهم وغيرهم يعرفون أن قرار المقاطعة وعدم المشاركة في العملية الانتخابية، قرار جرّبته معظم القوى، وهو قرار عقيم لا ينتج شيئا في العمل السياسي.
الأحزاب الأربعة تعرف أن قانون الانتخاب غير متوازن، وتناضل أكثر من غيرها في رفض قرار رفع الأسعار، وساهمت بزخم في إطلاق سراح معتقلي الحراك، وفي الوقت نفسه قررت أن تخوض معركة الانتخابات، وبقائمة وطنية تضم اليساريين الحقيقيين، والقوميين الملتزمين، والديمقراطيين الجذريين في زمن الربيع العربي وقبله.
العرب اليوم