الحركة النقابية؛ جدلية الوحدة والتعدد

الحركة النقابية؛ جدلية الوحدة والتعدد

تمرّ المجتمعات العربية بمخاض صعب منذ سنوات عدّة، من المتوقع أن ينجم عنه ولادة حركة نقابية عمالية قادرة على تحمل مسؤولياتها في الدفاع عن مصالح العاملين بأجر، في الوطن العربي، وتحسين شروط عملهم وحياتهم.

يتمثل المحك الرئيسي أمام حركة نقابية جديدة، في الأردن، والمنطقة العربية عموماً، في الموقف من مفهوم التعددية النقابية وآثار ممارسته على ظروف تشغيل العاملين، إذ يتمسك قادة أغلب النقابات والاتحادات العمالية بمصالحهم ومكاسبهم الشخصية والسياسية برفع شعار ضرورة الحفاظ على وحدة نقاباتهم واتحاداتهم، في محاولة منهم لإغلاق الطريق أمام محاولات النشطاء النقابيين الجدد، الذين يطالبون بضرورة فتح الأبواب أمام تشكيل منظمات نقابية جديدة، وكسر احتكار المنظمات القائمة، بعد أن فشلت النقابات القائمة في تحقيق أهدافها التي أنشئت لأجلها متمثلة في تحسّن شروط العمل للعاملين كافةً.

ولا يزال هذا الجدل مستمراً بين المدافعين عن فكرة وحدة الحركة النقابية وبين المنافحين عن فكرة تعددها في العديد من الدول العربية، التي تقيد قوانينها عملية تشكيل النقابات العمالية، وتقتصره على منظمات بعينها بقوة القانون.

ويغيب عن هذا النقاش -الذي يعبّر عن صراع عميق بين القوى التقليدية والجديدة، في إطار تطور العمل النقابي- مفهوم أكثر تمثيلاً لواقع هذا الصراع، والمتمثل في "حرية التنظيم النقابي"، حيث لم تأت على ذكْر مفهومي وحدة وتعددية المنظمات النقابية، أيِّ من الأدبيات القانونية في إطار الشرعة العالمية لحقوق الانسان و/أو معايير العمل الدولية الواردة في اتفاقيات منظمة العمل الدولية ذات العلاقة بالتنظيم النقابي.

وتركّز مجمل خطاب حقوق الإنسان الدولي على مبدأ "حرية التنظيم النقابي" لتكريس حق جميع العاملين في العالم بتنظيم أنفسهم في منظمات نقابية للدفاع عن مصالحهم، في الوقت ذاته الذي طالبت فيه بتطبيق المعايير نفسها على أصحاب العمل في تنظيم أنفسهم في منظمات تمثل مصالحهم أيضاً، لذا فإن الهدف الأسمى لمنح هذه الحرية يتمثل في خلق حالة من التوازن الاجتماعي بين أصحاب العمل من جهة، والعاملين من جهة أخرى.

من هنا، فإن الفكرة الجوهرية لضمان حق إنشاء المنظمات النقابية للعاملين لم تستهدف وحدتها، ولم تستهدف تعددها، لأن وجود المنظمات النقابية في العالم ليست هدفاً بحد ذاته، بل هي أدوات لتمثيل فئات العاملين أمام فئات وجهات حكومية واجتماعية أخرى.

ويمكن أن ينشأ عن فتح الأبواب أمام ممارسة حرية التنظيم النقابي، في الأردن والمنطقة العربية، منظمات نقابية متعددة حتى داخل القطاع الاقتصادي الواحد أو حتى داخل المنشأة الواحدة، ويمكن أن ينشأ عنه منظمة نقابية واحدة، إذ أن صاحب القرار والمصلحة في وحدة المنظمات النقابية وتعددها هم العاملون أنفسهم، فإن وجدوا أن مصالحهم تقتضي وحدتهم، سيتوحدون، وإن اقتضت التعدد فسوف يمارسون ذلك.

وتكمن العبرة في تفعيل العمل النقابي من خلال تمكين جميع العاملين من ممارسة حقهم في تشكيل النقابات والانتساب إليها، والعبرة كذلك في أن تمارس هذه النقابات أعمالها باستخدام آليات ديمقراطية حقيقية تسمح بتطبيق معايير الحوكمة الرشيدة، من مساءلة ومحاسبة وإفصاح وشفافية وغيرها من معايير العمل الديمقراطي التي تمنع سيطرة أشخاص محددين على إدارة هذه المنظمات النقابية لسنوات طويلة من دون إجراءات انتخابية حقيقية.

لذلك، فإن الفكرة الجوهرة في موضوع التنظيم النقابي، تتمثل في تمكين العاملين من تنظيم أنفسهم بحرية ومن دون قيود قانونية أو تدخلات من قبل الحكومات أو أية جهات أخرى، وليس الحفاظ على "صنمية" المنظمات النقابية، فالسماح بتشكيل منظمات نقابية فعالة ومستقلة وحرة وديمقراطية هو الكفيل بتعبيد الطريق أمام تطوير علاقات عمل متوازنة، وبالتالي بناء مجتمعات متوازنة ومستقرة.

·        أحمد محمد عوض: باحث ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية.

 

أضف تعليقك