الحرب الروسية الأوكرانية: هل يتراجع الاقتصاد العالمي بسبب الحرب؟

 

هناك توقعات تشير إلى أن الاقتصاد العالمي سيشهد مرحلة من النمو خلال 2022، على الرغم من آثار الحرب المحسوسة في جميع دول العالم، ولكن مدى سوء التأثير سوف يعتمد على الوقت التي سيستلزمها الحرب.

إن التأثير الاقتصادي للحرب على روسيا وأوكرانيا سيكون "هائلاً"، لكن بالنسبة لبقية العالم ستكون الأمور مختلفة، على سبيل المثال: لدي تركيا وبولندا علاقات تجارية وثيقة مع روسيا وبالتالي فهم من أكثر الدول الأوروبية المعروضة للتأثيرات السلبية للحرب مقارنة بالاقتصادات الأخرى، فبولندا تستورد ما يزيد عن نصف احتياجاتها من الوقود من روسيا، بينما تركيا تستورد ما يزيد عن ثلث احتياجاتها، أما الولايات المتحدة فحجم المعاملات التجارية مع روسيا لا يزيد عن 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 2.5% للصين، لذلك فإن التأثيرات السلبية للأزمة على تلك الدول سيكون محدود.

تشير التوقعات أن تقطع الحرب حوالي 0.2% من النمو العالمي هذا العام ليتراجع من 4% ليصل إلى 3.8%، ولكن إذا كنا سنشهد صراعًا طويل الأمد فسيكون التأثير أكثر حدة.

الخطوط العريضة التي عززت الأزمة

لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير  مستمرة والوضع يتغير يومًا بعد يوم، ومع ذلك، لا تزال هناك بعض الخطوط العريضة للسياق الرئيسي للوضع برمته التي يجب مراقبته والحكم عليه: 

أولاً: أعلنت الولايات المتحدة وأوروبا ما يسمى بـ "القنبلة المالية"، حيث استبعدت عقوبات SWIFT البنوك الروسية من نظام SWIFT وفرضت إجراءات تقييدية ضد البنك المركزي الروسي، وجمدت أصول البنك المركزي بما في ذلك 600 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، الأمر الذي أثر سلبا على التجارة الروسية سواء المباشرة أو التجارة الالكترونية وهذا يعني أن روسيا لا يمكنها بيع البضائع أو شراء البضائع من دول أخرى حتى لو كان لديها المال فلا يمكنها إنفاقه، هذا النوع من القنبلة المالية له تأثير خانق على المعاقبين، قبل روسيا تم فرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية فقط. 

ثانيًا: شكل المجتمع الغربي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وأوروبا أساسًا موقف وصوت موحد، بدءًا من الرأي العام إلى العمل بما أعاق روسيا تمامًا، لكنها أصرت على القتال لمواجهة الناتو. 

ثالثًا: حتى الآن، أثرت الحرب على روسيا وأوكرانيا بشكل كبير، بعبارة أخرى ستكون روسيا وأوكرانيا وخاصة أوكرانيا أكبر ضحايا الحرب، في مثل هذه الحالة، يمكننا محاولة تقديم بعض الملاحظات والتحليلات الأولية لهذه الحرب الإقليمية والوضع الجديد للاقتصاد العالمي بعد الحرب.

الصراع يغذي ارتفاع أسعار النفط

يوجد عامل آخر هام يجب النظر إليه وهو آثار الحرب على أسعار النفط والتي أدت إلى ارتفاعها بشكل حاد، حيث تأتي روسيا في الترتيب الثالث كأكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

في عام 2020 أنتجت روسيا حوالي 11 مليون برميل من النفط يوميًا وصدرت ما بين 5 إلى 6 ملايين برميل نصفها تم تصديره إلى أوروبا، وقد صعدت أسعار النفط إلى مستويات قياسية لتبقي قريبة من سعر 140 دولار للبرميل قبل أن تتراجع، ولكنها لا تزال حاليًا فوق 100 دولار.

يقول المحللون إن "اضطرابات الإمدادات قد تدفع أسعار النفط إلى ما فوق 200 دولار"، وفي 8 مارس صرح نائب رئيس الوزراء الروسي "ألكسندر نوفاك" قائلًا أن أسعار النفط ستستمر في الارتفاع وقد تصل إلى مستويات غير متوقعة، وتوقع نوفاك أن تصل الأسعار إلى 300 دولار للبرميل.

وأضاف نوفاك في بيان له "أن رفض استيراد النفط الروسي ستكون له عواقب سيئة على الأسواق العالمية"، لم يؤد ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع أسعار الوقود فقط بل أدى إلى ارتفاع كل شيء، وهذا ما انعكس على مستويات التضخم التي سجلت مستويات قياسية، نظرًا لأن الطاقة والوقود هما التكاليف الأساسية اللازمة لتصنيع ونقل البضائع.

وقال الاقتصاديون في بنك باركليز إن هذه العوامل مجتمعة يمكن أن تؤدي إلى أزمة تضخمية مصحوبة بركود اقتصادي، لهذا قاموا بتخفيض توقعاتهم للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2022 بواقع 1%، يحدث الركود التضخمي عندما يتعرض اقتصاد دولة ما إلى ارتفاع الأسعار مصحوب بركود اقتصادي.

أسعار المواد الغذائية

لقد أثرت الحرب الروسية الأوكرانية أيضًا على أسعار المواد الغذائية حيث شهدت ارتفاعات كبيرة، نظرًا لأن روسيا وأوكرانيا من الدول الرئيسية في انتاج المواد الغذائية، حيث يبلغ انتاج روسيا وأوكرانيا من القمح العالمي نحو 14% ويمثلان نحو 29 % من اجمالي الصادرات العالمية، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر روسيا وأوكرانيا من الدول المنتجة الرئيسية لزيت عباد الشمس والذرة، وبالتالي سيؤثر انقطاع الإمدادات الغذائية على المشترين في منطقة الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا.

يُشترى معظم القمح اللبناني من روسيا  وأوكرانيا وأيضًا تركيا ومصر مصر، كما يعتمد كل من الجزائر والسودان وكينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وتنزانيا على روسيا وأوكرانيا في الغذاء.

سلاسل التوريد العالمية

إن تأثير هذه الحرب على سلسلة التوريد العالمية واضح للغاية وشديد، خاصة في الجوانب الثلاثة للغذاء والطاقة والغازات النادرة، أوكرانيا هي أكبر منتج لزيت عباد الشمس في العالم تليها روسيا، تمثل الدولتان معًا 60 % من إجمالي الإنتاج العالمي، بالإضافة إلى ذلك، فإن إجمالي صادرات البلدين من القمح تمثل أيضًا 29% من الإجمالي العالمي، منذ اندلاع الحرب ارتفع سعر القمح مؤخرًا إلى أعلى مستوى له في 14 عامًا. 

من حيث الطاقة، تعد روسيا ثاني أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، حيث تمثل 10% من الإمداد العالمي، أما بالنسبة للغاز الطبيعي فإن اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا هو 39%، مع الأخذ في الاعتبار فإن SWIFT منفتحة حاليًا على استبعاد الطاقة من نطاق العقوبات، لكن العديد من المشترين الغربيين يترددون في التجارة مع روسيا لتجنب التورط، مما يجعل النفط والغاز الروسيين محظورين "بشكل فعال". 

فيما يتعلق بالغازات النادرة، تعتبر أوكرانيا موردًا رئيسيًا مما سيؤثر على صناعة تصنيع أشباه الموصلات العالمية وسيؤثر أيضًا على العديد من الصناعات التحويلية بما في ذلك السيارات.

أسعار المنتجات الزراعية والغاز الطبيعي والنفط والغازات النادرة وغيرها كلها في ارتفاع، بالطبع، يعتمد الاتجاه المستقبلي على حالة الحرب، إذا تعذر إيقاف الاتجاه الصاعد على المدى القصير فلن يختلف عن التضخم الحالي الذي تواجهه جميع الدول، قال رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" إن الحرب الروسية الأوكرانية ستدفع التضخم إلى الارتفاع وهي ضربة كبيرة للبنك الاحتياطي الذي توقع تراجع ضغوط الأسعار في الأشهر القليلة المقبلة، إذا تبنى البنك الاحتياطي بشكل حاسم سياسة نقدية تشديدية شديدة الكثافة فإن الاقتصاد العالمي بما في ذلك الولايات المتحدة سيؤدي حتماً إلى ركود تضخمي.

في السنوات الأخيرة تغير الاقتصاد العالمي من تأثير تفشي وباء كوفيد 19 على سلاسل التوريد العالمية ثم إلى التأثير المشدد للحرب الروسية الأوكرانية على جانب العرض وجانب الطلب في نفس الوقت. 

أضف تعليقك