التنافس الحزبي ونقابة المعلمين
مصطلح التنافس الحزبي او تطوير المصطلح نحو الصراع الحزبي ليصبح أكثر رعباً وخوفاً في نفوس الناس, وله جرس مخيف يعطي انطباعاً منفراً في نفوس الشباب والأجيال عامّة, ومن هنا تتكرر هذه العبارة على ألسنة العديد من الوزراء والمسؤولين: لن أسمح بأن تصبح الجامعات ساحات للصراع الحزبي!!, لن أسمح أن تصبح المدارس ميداناً للتنافس الحزبي!!, وصرّح آخرون كثر عن خطورة تسييس النقابات, والآن تكثر هذه التصريحات بخصوص مناسبة انتخابات نقابة المعلمين المنتظرة; المهددة بمرض التنافس الحزبي والتسييس!!.
هذه الظلال القائمة التي تلف مصطلح الأحزاب السياسية والمتحزبين والعاملين في الميدان السياسي عموماً, لا تجد لها أثراً في البلدان الديمقراطية والمتقدمة, التي تشكل الأحزاب العمود الفقاري لإدارة الدولة ورعاية شؤون الجماهير, ولا تجد هذا الجرس المخيف والمرعب لكلمة حزب سياسي إلاّ في بلادنا العربية والبلاد التي تشبهها من حيث أنماط أنظمة الحكم التي تقوم على حكم الرجل الواحد, أو الحزب الواحد, أو حكم العائلة الواحدة, التي تستأثر بالسلطة والقوّة والمال والإعلام والجيش والأمن والغذاء والفكر والخيال والأحلام.
فلا يجوز بعرف هذا النمط من الحكم, أن تفكر بالسلطة أو تحلم بالمشاركة فيها, ولا يجوز لك أن تسرح بخيالك سواء في اليقظة أو أثناء النوم بحق الشعب في السيادة والسلطة والمراقبة والمحاسبة والاختيار والتقويم وتبديل الشخوص وتداول الحكم والسلطة; لأنّ ذلك يشكل اعتداءً صارخاً على حقوق مكتسبة, تستحق سحق الأرواح وإبادة جماعية للحفاظ عليها.
الأصل أيّها السادة أنّ التنافس الحزبي هو تنافس فكري وبرامجي بين الاتجاهات الشعبية والجماهيرية حول مناهج الإدارة والقضايا السياسية, والأصل أن يكون هذا التنافس في كلّ بقعة وفي كلّ زاوية من الدولة, والحكم في النهاية لرأي جمهور الناخبين الذي يملك الحق باختيار ما هو الأكثر مناسبةً للمصلحة العامّة, وهو الذي يضبط هذا التنافس ويوجهه.
والتنافس الحزبي هو أمرٌ حضاريّ راقٍ ينبغي أن يكون شيئاً عاديّاً مألوفاً محكوماً بالأنظمة والقوانين التي تجعله ضمن حدود العدالة والمساواة بين فئات المجتمع الفكريّة والسياسية, وأن يهدف إلى تحسين مستوى الخدمة للجمهور وتطويرها نحو مزيد من الفاعلية والإنتاج.
وعندما تحارب الأنظمة الحاكمة التنافس الحزبي يصبح حكماً وبداهةً أن يحلّ محلّه تنافس آخر بشكلٍ حتميّ, إمّا أن يكون تنافس عشائري أو تنافس جهوي أو مذهبي أو عربي, أو أي نوع من أنواع الاستقطاب والتجميع المسموح به أو المفروض فرضاً قسريّاً.
وعندما استطاعت الأنظمة العربية ملاحقة العمل الحزبي وتجفيف منابعه, وتشويه صورته, وخلقت صورة مشوهة في نفوس الأطفال والشباب والجماهير حول العمل الحزبي, واستطاعت تجسيد صورته انّه أحد الأمراض الخطيرة التي تهدد المجتمع وتهدد التجمعات الطلابية والشبابية والنقابية, فهو يشبه الوباء الجماعي الذي يهدد المجتمع بالفناء مثل (انفلونزا الخنازير), أو (الجمرة الخبيثة), أو (سرطان ليمفاوي)..فماذا كانت النتيجة? انتقل الشباب والطلاب إلى تنافس آخر هابط ومقيت, وأصبح يتنافس على الدولة مجموعات من الفاسدين وصالونات شخصية مصلحية, ومافيات متعددة الألوان والأغراض.
وهنا أقول للإخوة الزملاء الكتّاب, يكفي تخويفاً من التنافس الحزبي والتقاطع السياسي; لأنّ هذا التخويف فرية كبرى بكلّ تأكيد ومرض موهوم صنعه من يستأثر بالمشهد وهو في حقيقته يمثل فكرة الحزب أيضاً.
التنافس الحزبي من أجل تقديم الخدمة الأفضل, ورفع شأن المعلمين وحفظ كرامة المعلم, وتأمين حقوقه المهدورة, ورفع سويّة التعليم, والبحث عن تأمين صحي مناسب, وسكن مناسب, وتأمين حاجاته الضرورية والمعيشية, أمرٌ مقبول ومشروع وواقعي وصحيح, وجمهور المعلمين الناخبين قادرون على تمييز الغثّ من السمين وقادرين على معرفة الأكثر أمانةً والأكثر قدرةً على تقديم الخدمة والأكثر جرأةً في الدفاع عن قضاياهم.
span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span