التعليم العالي:بيع الممتلكات والبحث عن الاستقرار
يسجل لوزير التعليم العالي موقفه من بيع الكلية العربية، وهو في ذلك الموقف يحاول عدم إلحاق الضرر بطلبة الكلية جراء صفقة البيع، والمهم في الموقف هو الطبيعة التي يتصرف بها المستثمرون في قطاع التعليم العالي، وهي طبيعة تحتاج لتفكر وتدبر بمن سلمناهم رقاب أبنائنا.
هذا الاستثمار ليس كله سلبيا، فهو مشغل لقطاع واسع من العاملين في التعليم الجامعي، وبعض الجامعات الخاصة تملك الجدية والعناية بالجودة، وتتحمل عبئا عن كاهل الدولة، ويحتاج مثل هذا القطاع الذي يستثمر بشكل جيد إلى دعم، لكنه أيضا يحتاج إلى أنسنة، وعناية بالمنجز الثقافي، وتحتاج الهيئة التدريسية فيه إلى عناية بالغة كي لا تتسرب لدول مجاورة.
بالعودة للكلية العربية وبيعها، فهي سابقة في قطاع التعليم العالي الخاص، وحبذا لو تضمنت القوانين المعدلة للتعليم العالي نصا يقيد ويحدد آليات بيع أي منشآت ومرافق وأراض، تقوم عليها مؤسسات تعليم عال سواء كانت كليات أو جامعات خاصة.
تحتاج الجامعات الخاصة للدعم، ولا مصلحة للوطن بإضعافها أو تجفيف منابع قبول الطلبة فيها، ولا بد من دور فاعل للمؤسسات الرقابية التعليمة والحكومية سواء هيئة الاعتماد أو دائرة مراقبة الشركات في هذا المجال "مجال البيع ونقل الملكيات".
يؤمن الأردنيون بأن الجامعات الخاصة هي منجز وطني، لكن هذا المنجز عليه تحسين صورته وبناء أطر وقوانين مؤسسية له، فلا يجوز لمجلس أمناء جامعة خاصة بين ليلة وضحاها إنهاء عقد رئيس جامعة لأنه أراد الحد من تغول المستثمرين في إدارته العلمية للجامعة. ولا بدّ للجامعات الخاصة من التفكير مليا بإعطاء هيئاتها التدريسية المزيد من الضمانات لتحقيق الاستقرار فيها، ومن ذلك إجازات التفرغ العلمي ومكافآت نهاية الخدمة. ومع أن بعض الجامعات تقوم بشيء من ذلك إلا أن الأمر يجب أن يقنن بتشريع.
وزير التعليم العالي الذي دعم جهود الجامعة الأردنية بتحسين سلم رواتب أعضاء الهيئة التدريسية في نقاشات مجلس الوزراء، مطلوب منه أن يمضي إلى الأمام بتعزيز استقلالية الجامعات، وأن يدفع بتحسين ظروف العمل المالية والفنية لمكافأة العاملين بالجامعات الرسمية والخاصة، ليستعيد القطاع التعليمي دوره الوطني لقيادة المجتمع والحد من مشاكله، ولا أظنه بعيدا عن هذا الهدف؛ كونه من قبل أستاذا جامعيا، وقدم قبل أن يصبح وزيرا رؤيته لواقع التعليم العالي عبر صفحات "الغد".
من جانب آخر ليس من المعقول أن يصبح رؤساء الجامعات ويمسوا بين ليلة وضحاها وهم يعملون وفق تشريع جديد، والمطلوب الاستقرار في القوانين وتغليب بقاء أي رئيس عبر الكفاءة والإنجاز عبر مشاريع محددة ينهض بها رؤساء الجامعات.
في الختام لا يقف الجدل والنقاش في أمر التعليم العالي عند مسؤول واحد، فمنذ عامين ونحن نشهد التخبط التشريعي للتعليم العالي. ونحن مقبلون هذا الاسبوع على مؤتمر يناقش مشاكل التعليم العالي وآليات النهوض به، والمهم ليس المزيد من الصفحات والندب لواقع التعليم العالي أو نعيه من قبل من ساهموا بمصائبه، بل المطلوب رؤى قابلة للتطبيق وتعظيم المنجزات.