التزاحم الانتخابي.. رؤية إيجابية

التزاحم الانتخابي.. رؤية إيجابية
الرابط المختصر

لكل دورة انتخابات نيابية مفاجآت خاصة بها، غير مستنسخة بالضرورة عن سابقاتها. كما أن لدى الناخبين في أي مرحلة زمنية مزاجاً يختلف باختلاف جملة لا حصر لها من بحر التجارب والخبرات الذاتية المتراكمة. وفوق ذلك، كان هناك دائماً مشهد انتخابي بسمة تجعله متفردا عن غيره؛ الأمر الذي يمكن معه في كل مرة تشكيل انطباع عام مختلف، وإجراء قراءة تحليلية منفصلة، عادة ما تقوم بها مراكز استطلاع رأي متخصصة، وخبراء انتخابات حاذقون.

ما نحن بصدده اليوم، غداة اكتمال صورة المترشحين المتزاحمين على باب مجلس النواب المقبل، عرض لبعض الانطباعات الأولية، مع أقل القليل من الاستخلاصات المبكرة عن مشهد انتخابي غاصّ بالمفاجآت المدهشة، وقابل للمقاربات المتباينة. وهي مقاربات من المرجح لها أن تتوالى على مدى الأسابيع الأربعة المقبلة، من كل منبر متاح للمعلقين، كل حسب دوافعه الذاتية، عبر وسائط لا حصر لها في عصر الفضاءات المفتوحة.

وأحسب أن هذا الازدحام الذي لا سابق له من جانب المترشحين، إذ يبلغ العدد ضعفي عدد الذين تنافسوا على مقاعد المجلس النيابي السابق، يعد ظاهرة صحية في حد ذاتها، وعلامة فارقة في هذه الجولة الانتخابية الساخنة. كما يكتسب هذا التنافس أهمية مضاعفة، مستمدة أساساً من تلك المحاولات المحمومة التي جرت خلال الفترة السابقة لتعطيل هذه الانتخابات، سواء بالدعوة إلى مقاطعتها، أو بالعمل على تبهيت صورتها وجعلها أمراً نافلاً لدى المتنافسين والناخبين معاً.

وعليه، فإن انطلاق أكثر من ألف وخمسمائة مرشح في السباق نحو القبة، يعد بمثابة استفتاء عام على عدمية دعوات المقاطعة، وبرهاناً قاطعاً على عبثية الرهان على مظاهر احتجاج جزئية محمولة على جناح ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وغيرها من المطالب الإصلاحية العادلة، الأمر الذي يقدم درساً بليغاً لكل من استأنس لديه قدرة متوهمة لوقف عجلة الانتخابات، وغامر بالامتناع عن خوض غمارها في زمن صندوق الاقتراع الذي فاء به الربيع العربي كحقيقة من حقائق هذه المرحلة.

وإذا ما أضفنا حيثية التزاحم هذه إلى معطى تسجيل أكثر من مليوني مواطن كناخبين محتملين في هذه الجولة، فإننا نكون بذلك قد وقفنا على متغير فاق أفضل التوقعات لدى سائر الأطراف والقوى المخاطبة بهذا التحدي، والذي بدا في حينه أقرب ما يكون إلى مقامرة أقدمت عليها الدولة في ظل أصعب الظروف الداخلية، وأشد المناكفات السياسية الإخوانية تصعيداً؛ إذ بدت المقاطعة كعملية مغالبة فجة، حتى لا نقول عملية كسر عظم مجانية.

وعليه، فإنه يمكن القول منذ الآن إن مسيرات الزحف المقدس، وتلك الاستعراضات العابثة بحرق البطاقات الانتخابية، والتهديدات بإغلاق المقرات الانتخابية للمترشحين، وغير ذلك من عمليات التهويل والاستقواء بالشارع، قد ذهبت أدراج رياح الحسابات الخاطئة، والقراءات الرغائبية المضللة للنفس، لتحل محلها توجهات عريضة وكاسحة نحو خيار الاحتكام إلى الإرادة الشعبية، والقبول بقواعد اللعبة الوحيدة، لتطوير الحياة الديمقراطية وتعزيز تقاليدها.

وليس من شك في أنه لو حدث العكس، وانخفض عدد المترشحين إلى نصف ما كانت عليه أعدادهم في الجولات الانتخابية السابقة مثلاً، وغاب مشهد هذا الزخم الذي بات إحدى أهم سمات هذه الجولة، لكان من شأن ذلك تحقيق تلك الرهانات الطائشة على وأد الانتخابات في مهدها، وترجيح وزن الافتراضات القائلة بأنه لا انتخابات بدون مشاركة قوى الإسلام السياسي، أو على الأقل لا معنى لهذه العملية إذا ما امتنع هؤلاء عن خوضها.

صحيح أن هناك جملة طويلة من الملاحظات النقدية التي يمكن إيرادها حول هذا التزاحم الانتخابي، لعل أهمها تضاؤل فرص فوز قائمة واحدة بمقاعد مرجحة في المجلس، إلا أن من الصحيح أيضاً أن هذا المشهد التنافسي حامي الوطيس، يقدم إجابة بليغة، لا تعوزها القرائن، على أن مقاطعة صندوق الانتخابات خيار سلبي بائس، لا يؤدي إلا إلى تهميش أصحابه، ولا يقود إلا إلى معاقبة النفس مجاناً.

الغد