البنوك الأردنية.. امبراطوريات تتربع فوق القانون
بداية، هذا المقال موجّه للذين لا يعرفون، والذين يعرفون لكنهم يتناسون؛ أن البنوك في الأردن جميعها شركات مساهمة عامة، أي أنّ حاملي أسهمها هم من المواطنين أو المؤسسات الوطنية مثل الضمان الاجتماعي إضافة إلى بعض الاستثمارات الأجنبية، التي معظمها عربية خليجية، وبعض الذين يذاع صيتهم على أنهم مالكون هم في الحقيقة لا يملكون أكثر من عُشر هذه المنشآت الاقتصادية الضخمة.
ثم أن جميع هذه البنوك تتربّح سنوياً حَوْل نِصف رساميلها، فيما ودائع الضمان الاجتماعي، المُختطفة عندها، تفوق هذه الرساميل، كما أن مجموع رأسمال البنوك الأردنية لا يتجاوز 2 مليار دينار بينما ودائع الأردنيين ومؤسساتهم لديها تتجاوز 30 مليار دينار أردني.
البنك المركزي الأردني هو المسؤول عن تنظيم عمل هذه البنوك ومراقبة امتثالها للقوانين المحلية والمعايير المهنية والدولية، وهو مَن يوافق على تركز المِلْكِيّات لأسهمها، وعلى التعيينات في إداراتها من دون التدخّل في حجم الرواتب أو الحوافز التي يتلقاها رؤساء مجالس إداراتها وكبار موظفيها.
يتحصّل كبار موظفي هذه البنوك، وهم إمّا مِن كبار المساهمين أو مِن طرفهم، على رواتب خيالية، يفوق الكثير منها راتب ومخصّصات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تبلغ رواتب وحوافز بعض رؤساء مجالس الإدارة لهذه البنوك نحو 10 ملايين دولار أمريكي ويزيد، ناهيك عن كبار الموظفين الذين يستلمون ما يتجاوز عشرات الآلاف من الدنانير شهرياً.
وهنا؛ يجدر الانتباه إلى أن هذه الرواتب تُدفع على حساب المالكين والمودعين الكبار، لا من جيوب تلك الطبقة المهيمنة على البنوك برأسمالها الصغير نسبة إلى حجم المساهمة وودائع الآخرين المنهوبين، والأخطر أن مؤسسة الضمان الاجتماعي، مثلاً، تخسر مرتين، الأولى عندما يقتطعون هذه الرواتب والمخصّصات والمكافآت من حساب أرباحها وعوائدها من هذه البنوك، والثانية عندما يحالون على التقاعد، حيث أنهم يستلمون رواتب تقاعدية عالية، مدى الحياة، بحكم ارتفاع رواتبهم أثناء خدمتهم، وكثير منهم يتقاضون من الضمان ما هو أكثر من 20 ألف دينار رواتب تقاعدية شهرية.
طبعًا، لا بُدّ مِن الانتباه هنا إلى أن هذه السرقة لا تُمارس بحق المالكين والمودعين والضمان الاجتماعي فقط، بل إنها تمارس أيضا بحق موظفي البنوك، حيث أن رواتب أكثر من 80% من العاملين في هذه البنوك لا تتجاوز حاجز الـ 500 دينار، وذلك ينسحب أيضاً على متقاعدي الضمان الاجتماعي.
ويجب أن ننتبه أيضاً إلى أن هذه السرقات تُمارس بمنتهى البشاعة بحق المقترضين الذين هم في جُلّهم من صغار موظفي الدولة والقطاع الخاص، حيث أن معظم سيارات الأردنيين ومساكنهم مرهونة لهذه البنوك.
وعلى سيرة القروض؛ لا بُدّ مِن أن نذكّر أن هناك توسّع كبير في إقراض بعض الأشخاص المقرّبين مِن رؤساء مجالس الإدارة من دون أن يقدّموا ضمانات كافية، لا من حيث القيمة الائتمانية لضمان القروض ولا من حيث إيرادات هؤلاء "العملاء" وقدرتهم على السداد، وربما سنسمع في قابل الأيام ما هو أفظع من قصة بنك البتراء وفيلادلفيا والشمايلة والدحلة، حيث أن كل هذا الذي مرَّ علينا تُشكل أرقامه نسباً ضئيلة ممّا سنرى ونسمع من فضائح مالية وفظائع ترتكب بحق أموالٍ عامة تخص مواطنين ومؤسسات وطنية.
أخيراً؛ لتكتمل الحلقة بمتعة الفرجة؛ لا بُدّ أن نتذكّر أيها الأعزاء، أن الودائع لدى هذه البنوك كلّها مضمونة من قبل البنك المركزي الأردني، وهنا لا احتجاج على الضمان، بحد ذاته، كونه ضرورة وواجب، بل الاحتجاج على التسيّب والنهب الحاصلين في هذه المؤسسات، لأن البنك المركزي ومؤسسة ضمان الودائع هما من يضمنان أي ضياع أو تعثّر سيحصل في هذه البنوك.
محمد قبيلات: كاتب وصحافي أردني