البرلمان وأزمة صناعة السياسات العامة

البرلمان وأزمة صناعة السياسات العامة
الرابط المختصر

طرحت "المبادرة" النيابية الأسبوع الماضي مجموعة من أوراق السياسات العامة، في عدد من القطاعات؛ مثل التعليم العام، والتعليم العالي، والطاقة، والزراعة، والسياحة، ضمن مشروعها في الشراكة مع الحكومة. بعض هذه الأوراق يرتقي إلى مستوى السياسات العامة الإصلاحية المنتظرة، وبالتالي فهي تشكل تحديا حقيقيا لهذه الحكومة، في مدى توفر القدرة والإرادة للأخذ بها، وفي نسج علاقة جديدة مع البرلمان.

بعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف مع مضامين السياسات العامة التي تطرحها أوراق "المبادرة"، فإنها تطرح أنموذجا جديدا في الأداء البرلماني الأردني لم نألفه من قبل، يتمثل في ثلاثة محاور أساسية: أولا، بروز مجموعات تفكير برلمانية جديدة، قادرة على إنجاز توافقات داخلية للتأثير في السياسات العامة. وهذا الأمر افتقدته الحياة البرلمانية الأردنية منذ عقود طويلة، وينسحب أيضا على أداء معظم البرلمانات العربية الجديدة والقديمة، ويُحسب له اكتشاف الأهمية الحاسمة للتوافق في ممارسة السياسة. ثانيا، تقديم أنموذج نفتقده في العمل المنهجي الذي يأخذ بعين الاعتبار البعد العلمي في تطوير السياسات العامة، والقائم على المشاركة والدمج بين الأفكار والحلول. وثالثا، محاولة سد الفراغ في ملف صناعة السياسات العامة، وكسر احتكار البيروقراط الرسمي واستشارات القطاع الخاص في هذه العملية التي طالما افتقدت مشاركة فعلية من القواعد الشعبية ومن ممثلي الطبقة الوسطى التي من المفترض أن تقود التغيير والإصلاح.

في المقابل، لم تقترب هذه الأوراق أو المبادرة، إلى هذا الوقت، من أولويات وطنية لا تنتظر التأجيل؛ مثل ملف تنمية المحافظات، وملف المؤسسات العامة المستقلة، وملف السياسات المالية والسياسات الضريبية، وغيرها. فهل ثمة استعداد للسيناريوهات المقبلة، من قبيل قدرة المبادرة على متابعة هذه السياسات ووضعها موضع التنفيذ؟ وماذا إذا ما أهملتها الحكومة؟ وما هي حدود الشراكة المطروحة؟ وهل توجد أمثلة، بالفعل، على استجابة الحكومة لأفكار أو سياسات تم طرحها من قبل هذه المجموعة النيابية؟

إن التحدي الكبير أمام المبادرة النيابية، وهي تدخل مطبخ السياسات العامة، يتمثل في كيف تخرج من العلاقات الزبونية مع الحكومات، وهي تؤسس لأنموذجها الجديد. إن شروط البنية التقليدية التي هيّأت الظروف، على مدى عقدين، لزبونية نفعية بين أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما تزال معظمها قائمة. وهي البيئة التي أفقدت البرلمان معناه السياسي وقيمته المجتمعية، وأسهمت، إلى جانب عوامل أخرى، في تراجع مكانة الدولة في عيون مواطنيها. تلك الشروط مرتبطة بطبيعة تكوين النخبة البرلمانية التي يعزى جانب منها إلى قانون الانتخاب، والذي جعل نصف أعضاء المجلس الحالي من المجالس السابقة، وساهم في عودة التجار ورجال الأعمال الجدد من جديد، مقابل غياب تمثيل حقيقي وعادل للطبقة الوسطى.

علينا أن ندرك حجم الأزمة في صناعة السياسات العامة وإنضاجها، والمتمثلة في الارتجال في بعض القطاعات، وعدم بناء خبرة وطنية في قطاعات أخرى؛ وكذلك في ضعف أدوات المشاركة في بناء السياسات العامة، وبالتالي ضعف أداء الرقابة الشعبية والمدنية على عملية وضع هذه السياسات وتنفيذها. فإلى اليوم، لم يطور البرلمان ولا مؤسسات المجتمع المدني، أو مراكز البحوث والدراسات الخبيرة، خطوطا موازية لعمل الحكومات، تسهر على بناء نماذج مكملة أو بديلة لما تعمله الحكومات.

أضف تعليقك