الاعتداء على إعلاميين !

الاعتداء على إعلاميين !
الرابط المختصر

في معظم دول العالم، يتم رصد انتهاكات لحقوق المتظاهرين والصحافة من قبل قوات أمن وقمع، أما أن يتم الاعتداء على صحافة وإعلام مهنتها نقل الحدث من قبل متظاهرين مطالبين بالإصلاح، فهذه هي الغرابة بعينها، وأمر يؤسف لحدوثه، وهو يدلل بوضوح على سوء نوايا الإصلاح من قبل من ارتكب اعتداءات بحق الاعلاميين.

لا أدري ما الذي قد يدفع من يدّعون الإصلاح ويتظاهرون للمطالبة به، لارتكاب حماقة الاعتداء على اعلاميين يعتبر قيامهم بالتغطية للأحداث مصلحة سياسية للمتظاهرين ومطالبهم. ألا يدرك هؤلاء أن الإصلاح بإبسط معانيه يعني مزيدا من الانفتاح والحرية للإعلام؟ وإذا كان هؤلاء المعتدون لا يتحملون الإعلام الآن فكيف لنا أن نثق أنهم سيتحملونه في المستقبل الإصلاحي القريب؟ أم أنهم يطالبون بالإصلاح ويدعون له عملا بمبدأ "التمسكن لغايات التمكن"؟

في الذاكرة اعتداءات أخرى مشينة على الإعلام وأهله، مثل ما حدث مع وكالة الأنباء الفرنسية وبطريقة بلطجية لا تليق بالأردن ومسموعاته، وما حدث من قرصنة لموقع الكتروني لا يمكن إلا أن تفهم على أنها تضييق على الفضاء الإعلامي. ما يجب أن يدركه الجميع، أن المستقبل سيشهد مزيدا من الحرية الإعلامية، وعلينا أن نطوّر قدرة تحملنا وتعايشنا مع ذلك، وأن نسعى جميعا لكي نزيد من منسوب المهنية الإعلامية في البلد لا أن نستمر في محاولات الترهيب والتحجيم للإعلام، فهذا لم ولن يجدي. وما يجب أن يدركه مرتكبو الاعتداءات من شتى مشاربهم، أن الاعتداء لن يحقق الا مزيدا من التلميع والاحترام لمن تم الاعتداء عليهم، بل وسيكسبون تعاطفا ما كانوا ليكسبوه لولا الاعتداء عليهم، فنحن مجتمع يكره الظلم والتعدي ويتعاطف مع ضحاياه.

الاعتداء على اعلاميين في مسيرة الجمعة وغيره مما سبق من اعتداءات، يؤشر على ضيق صدر كثير من المطالبين بالإصلاح بالرأي الآخر، ما يبرر خوف إصلاحيين آخرين من طبيعة وفحوى الإصلاح الذي نحن مقبلون عليه، وما إذا كان سيعني قبول التعددية والتنوع أم أنه سينتهي ليكون عبارة عن قوى سياسية متحكمة جديدة تفرض رؤيتها وتقصي الآخر. البلد سيكون أفضل حالا بدون إصلاح ولا ديمقراطية إذا لم يتضمن الإصلاح والديمقراطية قبول التعدد والتنوع والاختلاف والتعايش معه بدون اعتداء أو تخوين أو تكفير.

هناك محاولات مبررة وأخرى غير مبررة لإلقاء اللوم على الإعلام وتحميله مسؤولية كثير من الاخفاقات السياسية والاجتماعية، وبالرغم من أن الإعلام مسؤول بالفعل عن كثير من التحوير والتزييف واغتيال الشخصية، وقد اعتلاه الكثير من النفعية والانتهازية والشخصانية، الا أن الاصلاح والديمقراطية تفرضان علينا التعامل مع ذلك بروح الحفاظ على حرية الإعلام ومساعدته أن يتحلى بسلوك مهني رفيع وأن نحميه من كل معتد أثيم. علينا أن نؤمن كمجتمع أن إصلاح المشهد الإعلامي لن يتأتى الا بالمزيد من الانقتاح الإعلامي، فعندها فقط سنجد أن التغطية غير المهنية ستفضَح بتغطية أخرى مهنية، وليس من خلال التضييق والاعتداء على من نعتقد أنهم غير مهنيين، فمن شأن هذا أن يلوث ديمقراطيتنا المنشودة، ولا يساعدنا على تأسيس إعلام حر وموضوعي ومهني.

الغد