الإنفاق غير الرشيد مسؤولية حكومية أولا
اعتاد المسؤولون عندما يتحدثون عن مظاهر البذخ الانفاقي لدى المواطنين انتقاد تكلفة فاتورة الاتصالات والتي تتجاوز قيمتها حوالي 700 مليون دينار, حيث يرون في هذا الرقم أمرا مبالغا فيه وبالتالي يستشهدون به مثالا على عدم الوعي الاستهلاكي لدى الشريحة الاكبر من المجتمع.
صحيح ان تكلفة الاتصالات لدى المواطنين كبيرة ولا تتناسب ابدا مع مستوى الدخل العام لديهم, وان هناك ما يقارب 7 ملايين خط خلوي, لكن الغريب في الخطاب الحكومي تجاه هذه المسألة انهم عندما يتحدثون على سبيل المثال عن انجازات السياسات الاقتصادية يباشرون فورا بالتباهي بما حققه قطاع الاتصالات من نقلة نوعية وقيمة مضافة للاقتصاد الوطني بعد خصخصته وجني اكثر من مليار دينار كعوائد وفتح الاستثمار في القطاع للاجانب وضخ مئات الملايين من الدولارات فيه وتوفير فرص عمل لآلاف الاردنيين الذين لم يجدوا فرصا للعمل لدى الجهاز الرسمي, وكل هذا التباهي حقيقي, حيث اصبحت الاتصالات في المملكة العمود الفقري لنمو القطاع الخدمي في الاقتصاد.
لكن الاهم من ذلك كله ان الاتصالات لم تعد ترفا او شيئا كماليا في الحياة العامة كما يعتقد بعض السادة المسؤولين, فارتفاع فاتورة الاتصالات ليس سببه كثرة "الحكي", انما هو نتاج طبيعي لنمو الاقتصاد الوطني الذي حقق في الاعوام الماضية نموا بلغت معدلاته في بعض الفترات نسبة 6 بالمئة كما اعلنت الحكومة عن ذلك الا اذا كانت غير مقتنعة به اساسا.
الاتصالات اصبحت لاعبا رئيسيا في نشاط اي قطاع اقتصادي, فلا يمكن ان نجد سوقا قويا لرأس المال وبورصة شفافة ونزيهة دون اتصالات فاعلة ومتطورة, ولا يمكن للبنوك ان تعمل او ان تزداد حركة الطيران او ترفع الصناعات الوطنية من انتاجها في المرحلة الراهنة دون وجود شبكة اتصالات حديثة تلبي احتياجات ارباب العمل والمستهلكين على حد سواء.
اذا ارادت الحكومة ان تنتقد السلوك الاستهلاكي للمواطنين من زاوية ارتفاع فاتورة الاتصالات فهي كلمة حق يراد بها باطل, فهناك العديد من مظاهر الانفاق غير السوي الذي بمقدور الحكومة ان تنتقده اذا ارادت هي ذلك, لكنها في الحقيقة تتجنب الحديث عن تلك المظاهر لسبب بسيط وهو انها هي من ساعدت على انتشار تلك المظاهر البذخية من خلال السياسات التي اتبعتها في الآونة الاخيرة دون ان تدرس تداعياتها الاقتصادية على المجتمع, وإلا كيف تفسر الحكومة قراراتها الخاصة بتخفيض الجمارك على السيارات الكبيرة والاجهزة الكهربائية وربطات العنق والخلويات وغيرها من السلع الكمالية التي شجعت الحكومة المواطنين على اقتنائها تحت مغريات انخفاض اسعارها, وهذا الامر ينطبق على فتح الاسواق التجارية على مصراعيها لاقامة المولات التجارية التي ساهمت هي الاخرى في زيادة الاستهلاك, اضافة الى انتشار بطاقات الائتمان التي يتجاوز عددها الآن حوالي 205 ملايين بطاقة, هذه مظاهر تتجنب الحكومة الحديث عنها رغم انها هي لا غيرها من يتحمل مسؤولية التوسع في انتشارها.