الإعدام بالجملة

الإعدام بالجملة
الرابط المختصر

بغض النظر عن الخلاف القائم بين مؤيد ورافض لعقوبة الاعدام، فالطريقة التي تُنفذ بها أحكام الاعدام يجب أن تنفي أي سلوكات همجية عن المؤسسة الرسمية، وأن لا تظهرها مؤسسة باطشة منتقمة وكأنها قد دخلت دائرة الفعل ورد الفعل للجريمة من دون خطة لتصحيح السلوك وتعديله لمن حادوا عن السلوك السوي من أبناء المجتمع.

لأن المؤسسة، في الأساس، هي التي تدير المجتمع، وتتحمل المسؤولية عن جزء أساسي من جوانب القصور الناشئة عن سياساتها ومعالجاتها، فيجب أن تحاسَب عن النتائج السلبية لإدارتها وسياساتها، لا أن تُحاسِب الضحايا.

من أساسيات عمل القضاء أنه قائم على العدل والحق، فهو يراعي أن لا يظلم شخصاً بريئاً حتى لو أفلت آلاف الأشخاص غير الأبرياء، وتأخذ الأحكام القضائية بالعادة العوامل كافة بعين الاعتبار، توخياً للعدل، ولتنأى عن أي احتمال للظلم مهما كان ضئيلاً.

الإعدام الجماعي لا يُظهر حيادية المؤسسة، بل يُظهرها متورّطة برد الفعل العنيف المباشر على ما يحدث في المجتمع من مشاكل، ناهيك عن أن هذا الرد العنيف، يستخدم أداة باطشة لا مجال لمراجعة أحكامها بعد انتفاء حيوات المعدومين.

البعد الآخر في هذه المسألة الشائكة؛ هو الشرعنة التي تضفيها المؤسسة على قتل الإنسان، فيصبح هذا السلوك الرسمي جزءاً من التربية العَرضية التي يستقبلها المتلقي ويتجرعها مسلّمة تفيد أن المخطئ يجب أن يُقتَل، فتترسخ لدى المتلقي قاعدة أساسية تصبح لها، فيما بعد، تجليات أخرى قد تصل به إلى ممارسة هذه الأداة مع خصومه أو مع من يعتقد أنهم يتعدون عليه، أو حتى يمكن أن يطبقها على من لا تُعجبه أفكارهم.

ولقد لاحظ بعض الاعلاميين المراقبين، أن عدد الجرائم قد ازداد بعد تنفيذ الوجبة الأخيرة من الإعدامات بحق 15 محكوماً، حيث تم رصد أكثر من عشرة جرائم قتل، تمّت في العاصمة عمان ومختلف محافظات المملكة، في الأسبوع التالي ليوم تنفيذ حكم الإعدام مباشرة.

مجتمعاتنا، عموماً، متقبلة لفكرة القتل وفكرة الرد على القتل بالقتل، والأخطر من ذلك تنامي الرغبة بقتل النفس وافناء الذات، برغم عدم وجود أرقام لدي، لكن المتابع يلاحظ، في الأعوام الأخيرة، زيادة في عدد الجرائم ونوعيتها وبشاعتها.

الأصل أن لا يظهر على الدولة الحنق وهي تمارس العقوبات، بل أن تُظهر تسامحها، فذلك أجدى لجهة تعزيز وترسيخ القيم الايجابية في المجتمع، كما أنه ينفي القيم السلبية الآخذة بالازدياد في ظلّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن المرحلة التي تمر فيها مجتمعاتنا، والتي هي في الوقت ذاته نتيجة للسياسات التي مارستها الدولة ذاتها، الدولة التي تقاضي اليوم ضحايا تشوهات خططها وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية.

العقوبات يجب أن تُمارس من قبل الدولة لتحقيق غايات محددة في إطار الإصلاح، بحيث تبقى تأثيراتها السلبية في أضيق الحدود. ولا بد أن تكون قيد المراجعة بين فترة وأخرى، لغرض أن تبقى أدوات إصلاحية لا تتسبب في ظهور مشاكل جديدة في المجتمع، فأي أداة أو آلة لا تخضع للصيانة الدورية تتلف، وتصبح نتائج أدائها سلبية، بدل أن أن تكون إيجابية منتجة.

 

محمد قبيلات: كاتب وصحافي أردني.

أضف تعليقك