الإعاقة؛ افتقاد الحماية والدعم

الإعاقة؛ افتقاد الحماية والدعم

فجع المجتمع الأردني مؤخراً بقصة أب اصطحب طفله المصاب بالتوحد والبالغ من العمر 8 سنوات إلى بناية مهجورة ليلقيه من الطابق الرابع، ثم يقبّل جبينه البارد ويستغفر الله قبل إحراق جثمانه.

 

على مدار أيام تلت الجريمة، سارع محللون ومتابعون لمناقشة ضعف الوازع الديني والأخلاقي لهذا الوحش الآدمي الذي هان عليه أن يقتل ويحرق فلذة كبده دونما ذنب ارتكبه.

 

لا ينكر أحد أن للمعايير الدينية والأخلاقية دورٌ كبيرٌ في التخفيف من نسب الجرائم، غير أن النقاش لابد وأن يطرق أبواباً إضافية عندما يتعلق الأمر بضحية من ذوي الإعاقة.

 

تتضارب الإحصائيات الخاصة بذوي الإعاقة، في الأردن، إذ كانت الأرقام الرسمية على مدى سنوات تشير إلى نسبة تتراوح بين 1.5% الى 2%، وهي أقل بكثير من المعدلات العالمية التي تصل لحوالي 10-15%. ولم يخطر في بال أحد أن هذه النسب تدل فعلاً على تطور المجتمع بانخفاض نسب الإعاقة فيه، بل كان جلياً أنها ناتجةٌ عن خلل في الرصد لمجموعة عوامل، وهي: قلة الإمكانات الفنية في إجراء المسوحات المتخصصة، وعدم وجود تعريف واضح للإعاقة، وضعف التشخيص المبكر، ولعل الأهم هو ميل الأسر الأردنية إلى إخفاء حالات الإعاقة بين أبنائها تفادياً لوصمة اجتماعية تطال الأسرة بأكملها.

 

أعلن عن مسحٍ أجري مؤخراً، وأظهر أن نسبة الأشخاص من ذوي الإعاقة تبلغ نحو 13%، ورغم عدم الإفصاح عن تفاصيله، إلا أنه يعدّ مؤشراً على محاولة الاعتراف بالأفراد أصحاب الإعاقة بوصفهم مكوناً من مكونات المجتمع، مما سيرتب بالضرورة اتخاذ خطوات عملية نحو إدماجهم كما يتطلب القانون، فمن غير المنطقي أن يقبل صانعو القرار تهميش ما يزيد عن مليون مواطن –إن صحت النسبة- والتمييز ضدهم والانتقاص من حقوقهم الأساسية التي كفلها الدستور والعهود وكذلك الاتفاقيات الدولية.

 

الأردن صادق على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأُصدر قانون حقوق الأشخاص المعوقين في العام 2007، لكن ما زلنا بحاجة للكثير من الخطوات لترجمة نصوص الاتفاقية والقانون إلى حماية حقيقية على أرض الواقع، وإلى مراجعة العديد من التشريعات والسياسات لرفع التمييز ضدهم، ولعل المثال الأكثر إيلاماً يتجلى في قانون العقوبات، الذي ساوى في أحد نصوصه بين الحيوان المؤذي وبين الشخص المعاق ذهنياً.

 

قد يبدو التمييز في التشريعات والسياسات الحكومية هيّناً، إذا ما قارنه بالتمييز الذي يمارسه المجتمع ضد هذه الفئة وأسرهم، فما زالت الممارسات الاجتماعية تتعامل مع الإعاقة على أنها مرض أو نقص، وتتفاوت ردود الأفعال ما بين الشفقة في أحسن الأحوال والاحتقار في أسوأها، وليس غريباً إحجام الراغبين بالزواج عن الارتباط بامرأة يعاني أحد أفراد عائلتها من الإعاقة، كما ليس مستهجناً اجتماعياً اعتراض الأهالي على إشراك الأطفال ذوي الإعاقة في أنشطة مع أبنائهم.

 

وفي مجتمعنا الذي يدعي أنه مجتمع رحمة وتكافل اجتماعي، تجد من يبدي تذمره لدى استقبال الطفل المعاق في زيارة مع ذويه، أو من وجوده في مطعم أو ساحة لعب. وفوق ذلك كله، تعاني أسر أطفال ذوي الإعاقة من شح وارتفاع تكلفة البرامج المتخصصة بهم بشكل عام، وبـ"التوحد" بشكل خاص.

 

وتغيب كذلك برامج الدعم للأسرة التي يعاني أحد أفرادها من الإعاقة، وينعدم الوعي العام المجتمعي المتعلق بهم، والرافض لهذا الاختلاف مما يضاعف معاناة تلك الأسر، ويشكل ضغوطاً اجتماعية ومادية تسهم في أحيان كثيرة بتفككها أو انهيارها بالكامل، وقد عبّرت العديد من الأمهات عن حالات مررن بها تمنين بها الموت لأنفسهن أو لأطفالهن.

 

بعد جريمة الأب بحق طفله في عمّان، تركزت ردود الأفعال على التنديد والمطالبة بإعدام الفاعل، أما الضحية الذي عاش يعاني وقتل بسبب معاناته، فلم يجد من يسمع نداءه بتدارك الأمر إنقاذاً لمئات آلاف الضحايا الذين يشابهونه في الظروف.

 

إدانة الجرم ومعاقبة المجرم ضرورية، لكن علينا ألا ننسى أن نسأل أنفسنا عمّا فعلناه لنمنع هذه الكوارث، ونحمي هؤلاء الأطفال. هل سنغمض أعيننا عن دورنا في تفاقم المعاناة حتى تُرتكب الجريمة التالية!

 

  • هديل عبد العزيز: ناشطة حقوقية. عضو مؤسس والمديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية.

 

 

أضف تعليقك