تباطؤ الإصلاح لا يراه معارضون للسياسات الحكومية، أو أحزاب معارضة، أو مراقبون وكتاب؛ وإنما بات يلمسه نواب، ومسؤولون حكوميون سابقون وحاليون.
ما قاله رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة، في مقابلته مع "الغد" أمس، عن الإصلاح وتباطئه، رغم شعوره أن الإصلاح يسير في الطريق الصحيحة، يضع منصة حقيقية للتفكير بشكل جدي في ضرورة رفع وتيرة الإصلاح وعدم العودة إلى الوراء، وما تم بناؤه خلال أعوام ماضية.
هذا الكلام يجعلنا نفكر جديا في أهمية دفع عجلة الإصلاح للأمام، وتبني قوانين ترفع من وتيرته، والكف عن نغمة التريث والتأني. فالإصلاح وحده القادر على نقلنا إلى مصاف الدولة المدنية الحقيقية، وسيادة القانون، وهو الذي يؤسس للأجيال المقبلة علاقات متوازنة وديمقراطية يمكن البناء عليها.
إذن، بات ملموسا أن الإصلاح بطيء. وربما مرد ذلك أن بعض مراكز القوى شعرت أن تراجع ما يعرف بـ"الربيع العربي" في دول عربية، إضافة إلى سوداوية التجربة في بعضها الآخر، ومثال ذلك سورية وليبيا، دفعهم للتفكير في تقنين التوجه الإصلاحي، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإعادة ضخ الدماء في الفكر المحافظ من جديد.
القصة عندنا مختلفة، وليس لها علاقة بربيع أو خريف، وإنما كانت طريق الإصلاح وسيادة دولة القانون والذهاب باتجاه الدولة المدنية نهج اختطه عقل الدولة، وتحدث عنه عبر سنوات. وتم وضع الأسس له من خلال قوانين باعتبارها إصلاحية، وإن لم تكن وافية وكافية وإنما كانت تؤسس لحالة إصلاح منشود.
بيد أن أولئك الذين رأوا في الإصلاح محطة واجبة عليهم التعامل معها لتمر رياح "ربيع العرب"، ومن ثم العودة إلى فكرهم المحافظ الذي تبنوه منذ سنين وتعاملوا معه وشكلوا بموجبه "لوبيات" تدافع عنهم وتتبنى وجهات نظرهم، وجدوا في سوداوية تجربة دول المحيط منطلقا للانقضاض على طريق الإصلاح وإعاقة التقدم فيها.
هؤلاء في الأصل لم يسبق لهم أن كانوا إصلاحيين؛ لا سابقا ولا حاليا ولا لاحقا. وهم لا يريدون لقطار الإصلاح الحقيقي أن ينطلق لا انطلاقة بطيئة ولا مسرعة، ويريدون كسب الوقت، لإعادة تموضعهم من جديد، وخلق حلفاء جدد لهم.
رغم ذاك، فإنه ما يزال في الأفق أمل في أن نعيد إصلاحنا الحقيقي لسكّته، وأن ننفض عنا غبار التأني والتريث والانتظار، وأن ندير الوقت لصالحنا، لا أن ننتظره لكي يدور علينا. وإن توقف قطار الإصلاح للمراجعة والتأمل، فإنه يتوجب إعادة تشغيله من جديد من دون النظر للمحيط وما يجري فيه.
صحيح، نحن في محيط مضطرب، فمحيطنا ضاع في أتون فكر متطرف وجد في أرضية بعض الدول مجالا خصبا لكي ينمو ويعشعش. وهذا يدفعنا لأن نؤسس لتطور إصلاحي حقيقي يجعلنا مختلفين عنه، والسير في الإصلاح خطوات للأمام، وعدم ترك الأفكار التي تخوفنا من الديمقراطية والحريات العامة، تنخر في عقولنا وتقف في طريقنا.
رؤية الإصلاح يجب أن تتوفر فيها أدوات وروافع. ولعل الرافعة الأهم التي أشار إليها رئيس مجلس النواب في مقابلته مع "الغد" تكمن في قانون الانتخاب الحالي الذي يتوجب تعديله، بما يسمح بمشاركة سياسية أوسع، وعمل إصلاحي جمعي يبتعد عن المناطقية والجهوية والفئوية والطائفية والإقليمية، ويتعامل مع البلد كوطن للجميع، يتوجب المحافظة عليه لنا ولأولادنا وللأجيال المقبلة
أؤمن أن مفتاح الإصلاح الحقيقي هو تعديل قانون الانتخاب، بما يسمح بمشاركة الجميع ويوفر حقوقا متساوية لهم، وينقل العمل البرلماني من مرحلة المتابعات الخدمية والركض وراء الوزير والمسؤول، إلى مرحلة التشريع والرقابة، وتشكيل حكومات برلمانية برامجية تُحاسَب من قبل الشعب والناخبين.
الغد