الإصلاح بين الحكومة والاعتصامات

الإصلاح بين الحكومة والاعتصامات
الرابط المختصر

لست من أنصار الحكومة، ولا وكيلا عنها ولا محسوبا عليها. ولست مستشارا لها، ولا منتفعا منها حتى لا أتهم بذلك مسبقا!

كما أنني أؤمن بأن في البلد فسادا وظلما وجوعا وفقرا وبطالة ومحسوبية، وأن نارا تحت الرماد لا يطفئها إلا عقل عاقل وحكمة حكيم، وإذا تركت تتفاعل وتشتعل فسوف تحرق الأخضر واليابس. والمعارضة الوطنية المعتدلة تشاركني الرأي في هذه الأخطار والعلل والأمراض. يضاف إلى ذلك أن الحكومة تقر بذلك أيضا، وتحاول أن تعمل على إصلاحه. ورأس النظام وجه حكومته إلى معالجة هذه العلل والأمراض، كما كان يوجه الحكومات المتعاقبة في السابق، ولكنها كانت في سلوكياتها وتنفيذها لهذه التوجيهات في واد والإصلاحات الجذرية في واد آخر، لا بل إنها كانت تخشى الإصلاح الحقيقي لأنه سيطالها لما فيها من فساد ومحسوبية! فزادت الطين بلة كما يقولون، وزادت العلل والأمراض التي يشكو منها المجتمع والدولة عللا جديدة وأمراضا مستعصية!

والطلبات العامة التي يشكو منها المواطن وتحتاج إلى إصلاح تكاد تكون متفقا عليها بمجملها بين الجميع، المواطنون والحكومة والأحزاب ورأس الدولة، اللهم إلا موضوع الدستور والعودة إلى دستور 1952 وموضوع الملكية الدستورية.

وهذا الموضوع الخلافي الذي كثر الحديث حوله فيه لبس وبعض الغموض على الكثيرين، سواء من أنصار تعديل الدستور أو المدافعين عن ثباته وإبقاء ما كان على ما كان؛ ولنا عودة إلى هذا الموضوع بشكل مفصل.

غير أن المطالب العامة التي ينادي بها الجميع، والتي أُشبعت تظاهرا وبحثا وإعلاما، والتي تخدم الوطن والدولة والمواطنين، والتي يجب أن نسعى جميعا إلى تحقيقها والحصول عليها، قد خفت صوتها وحل مكانها مظاهرات واعتصامات وإضرابات فئوية لمطالب خاصة، واصبح لها الأولوية في المعالجة، وكأن هؤلاء يريدون استغلال ضعف الدولة وانحناءها أمام هذه العاصفة الإصلاحية التي هبت على العالم العربي من المحيط إلى الخليج.

وأنا لا أنكر حق المواطن المتضرر في أن يرفع صوته ويعبر عن رأيه، ولكن في الوقت المناسب، ومع مراعاة الإمكانات والظروف التي تعيشها الدولة. إذ يعلم الجميع الوضع المالي للدولة، والعجز المتراكم في الموازنة والتي لا تمكن أي مسؤول مخلص أن يسرف في إعطاء الوعود أو إصدار القرارات الفورية، وبالتالي لا تساعد على تلبية الطلبات الكبيرة التي تنهال من كل المواقع وكل المؤسسات.

وأنا أتساءل أمام ما نشاهده أو نسمع عنه من اعتصامات ومظاهرات يومية في أيام الدوام والعطل، حتى وصلت في بعض الأيام إلى عشرين مظاهرة واعتصاما شلت بعض أجهزة الدولة وأثرت على خدمات المواطنين وحرمت الطلبة من الدراسة.. ماذا يبقى للمسؤول من وقت يفكر فيه بمطالب الناس والإصلاحات العامة والشاملة أمام هذه الحرائق اليومية والمنغصات المستمرة؟ بالتأكيد، ومهما كان المسؤول مخلصا، لن يبقى لديه وقت للتفكير سوى بإطفاء الحرائق اليومية التي تنبعث من هنا أو هناك، وإرضاء المعتصمين أو المضربين ولو على حساب الوعود التي ربما لا تجد لها مجالا في التنفيذ، أو ربما تجد لها رصيدا ولو على حساب زيادة العجز في الموازنة أو زيادة في المديونية الخارجية.

وإذا كان هناك مبرر لاستمرار المظاهرات الأسبوعية المطالبة بالإصلاح الشامل والإسراع بتنفيذه حتى لا تتراخى الحكومة، فإن الحركات المطلبية الخاصة تشوش على المطالب العامة، وتربك المسؤول عن التنفيذ، وتوفر للحكومة المبررات في تأخير التنفيذ أو استحالته؛ وعلينا أن لا نترك للحكومة الأسباب التي تبرر التأخير.

ونحن في الأردن حددنا منابع الفساد، ونسعى إلى إصلاحها، ولكن لدينا ثوابت محددة هي موضوع إجماع الأردنيين: الوطن والشعب والنظام، وأي تعديل مطلوب في التشريعات أو السلوك، أو أي إجراء وإصلاح يتم، يقصد بها تحقيق النفع والخير والاستقرار والأمن والثبات لهذه القواعد والأسس والمسلمات.

وما أراه في هذا الموضوع أن تعلن الحكومة برنامجها الإصلاحي، والخطوات التي ستقوم بها بشكل محدد وواضح، مع جدول زمني لتنفيذ هذه الإصلاحات، على أن لا تتجاوز مدة التنفيذ أشهرا محددة؛ وأن تعطى الحكومة هذه المهلة مع المراقبة الفعالة، ووقف النشاطات المطلبية مؤقتا ريثما تتحقق المطالب العامة. ففي تنفيذ المطالب العامة القضاء على الكثير من أسباب الشكوى، ويسهل بعدها الاستجابة للمطالب الخاصة.

وإذا عجزت الحكومة عن تنفيذ التوجيهات المكلفة بها وما التزمت به، فإن رحيلها أولى من بقائها، ويكون تكليف حكومة إنقاذ وطني لتسلم المسؤولية أمرا مطلوبا حتى لا تتفاقم الأمور وتزداد سوءا.

أيها الإخوة، أمضيتم وأمضينا أكثر العمر محرومين من هذه الحقوق لدرجة اليأس. وإذا كنتم تريدون الإصلاح، أفلا يمكن أن ننتظر مهلة قصيرة نترك فيها الحكومة تعمل لنمتحن مقدرتها ونواياها في الاستجابة لتنفيذ المطالب العامة أولا، ومن ثم الاستجابة للقضايا المطلبية الخاصة الأخرى والتي أعتقد انها ستحل تلقائيا وبسهولة إذا نفذت الإصلاحات العامة وخلصت النوايا.

الغد

أضف تعليقك