الإصلاح بأسلوب الحياة وتنشيط المجتمعات

الإصلاح بأسلوب الحياة وتنشيط المجتمعات

ثمة حلقة مفقودة في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، تحول دون تحويل الموارد إلى تنمية وتقدم، أو تمنع تعظيم الموارد المتاحة والقليلة وتنظيمها على النحو الذي يحقق التنمية.

وهذا هو السؤال. وفي تقديري أن الحلقة الغائبة هي أسلوب الحياة المتفق مع الموارد والقائم عليها أيضاً.

إذ يفترض أن تكون ثمة علاقة منطقية ومتفاعلة بين عمل الإنسان وموارده، وبين مكان إقامته، ومكان تعليم أطفاله، وعلاقاته الاجتماعية وصداقاته وهواياته، وأماكن وأساليب الترفيه.

وهذا هو المطبق في التاريخ والجغرافيا، وهذا ما يفسر نشوء المدن والتجمعات السكانية والقضايا والأعمال الاجتماعية والسياسية والثقافية.فالإنسان يختار مكان إقامته قريبا من عمله، أي إن الأعمال من الأسواق والمؤسسات الخاصة والعامة يفترض أن تنشأ حولها، بتخطيط مسبق أو على نحو تلقائي مجتمعي، تجمعات سكانية من أحياء ومدن وبلدات؛ فهناك مدن وأحياء أنشأتها مشروعات اقتصادية وتجارية، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح حول الموانئ والمناجم والجامعات.

ويفترض أن توفر هذه التجمعات السكانية مدارس للأولاد، وحدائق وأسواقاً وأماكن ترفيهية وأندية، على النحو الذي يتيح للمقيمين القدرة على الذهاب إلى العمل والمدارس والأسواق مشيا على الأقدام، أو على دراجاتهم الهوائية، أو في دقائق قليلة بوسائل النقل.

وهذا لا يحل فقط مشكلة المواصلات، ولكنه ينشئ منظومة اقتصادية واجتماعية تتشكل حول الأعمال. فالأسر في علاقاتها وحياتها اليومية في المدارس والأسواق والأندية تنشئ قضايا وأعمالا مشتركة، تقوم عليها المنافسات الانتخابية والأعمال التطوعية والنقابية، وتنظم العلاقة مع القطاع الخاص وموردي الخدمات.وفي غياب هذه العلاقة، تغيب الحلقة الناظمة للأعمال والإنجازات المفترض نشوؤها وتشكلها، ويغيب معنى الانتخابات والنقابات والبلديات والأمكنة، ولا تتشكل هوية واضحة ولا علاقة صحيحة مع المكان؛ وتنشأ أيضا معاناة كبيرة في العمل والحياة، وتكون الفجوة الهائلة مع المكان والغربة وفقدان الانتماء والمشاركة.

أسلوب الحياة الناجح والمؤدي إلى التقدم يبدأ بإقامة الناس قريبا من أعمالهم، وأن يدرس جميع أطفال المكان، وبخاصة في المرحلة الأساسية، في المكان نفسه، وأن ينشئ الناس بأنفسهم في مكان إقامتهم أدوات التعليم والصحة والحياة اليومية؛ من المدارس والحدائق والخدمات والمرافق، والانتخابات البلدية والنيابية.

وبذلك فإن الناس يتجمعون حول احتياجاتهم وأولوياتهم، وتكون الإدارة والسياسات الحكومية متصلة بحياتهم ومصالحهم على نحو مباشر، فيملكون الرؤية والدوافع والمصالح لمراقبة وإصلاح الموارد والضرائب والقرارات والتشريعات.وفي المقابل، فعندما تنتفي العلاقة بين مكان الإقامة والعمل وتعليم الأطفال وتوفير المياه والخدمات، وبين حياة الناس وإدارة الموارد والمرافق وتنظيمها، تتشتت الرؤية والمصالح وفرص التجمع وتنظيم الناس.ما مسؤولية المجتمعات في تحريك وتفعيل الإصلاح والحياة السياسية؟

الغد

أضف تعليقك