الإسلاميّون والاختبار الصعب

الإسلاميّون والاختبار الصعب
الرابط المختصر

لقد نقل الربيع العربي الشعوب العربية والأنظمة والمنطقة كلها إلى مرحلة جديدة على جميع الأصعدة، وما حدث يشكل إعصاراً قويّاً، أحدث هزات عنيفة وارتجاجات ضخمة، طالت كل المكونات السياسية والاجتماعية، بلا استثناء، ومن يعتقد أنه خارج تأثير هذا الإعصار، وأنه بمنأى عما أحدثه من تغييرات فهو واهم، وهو خارج الزمن، ولا استثناء لأحد في هذا السياق على الإطلاق.

الإسلاميون هم الأكثر عرضة للاختبار، ومواجهة الارتدادات الناتجة عن هذا الإعصار، ووصول بعضهم إلى السلطة كما حدث في تونس ومصر، جعلهم أكثر عرضة للامتحان، ووجودهم في قمة المسؤولية في هذه المرحلة غير المستقرة، التي تموج كموج البحر، يتطلب منهم مرونة كبيرة وأفقاً سياسيّاً رحباً، ونظرة بعيدة المدى، وقدرة فائقة على قراءة المشهد بأعلى درجات الحكمة وأقصى آفاق الاستيعاب، ومغادرة ما تم الاعتياد عليه خلال الأزمنة الفائتة.

يجب أن يدرك الإسلاميون جميعاً أنه لا خوف على الإسلام، بل الخوف على من يعمل لخدمة المشروع الحضاري الإسلامي، ومن يتحمل مسؤولية التمكين لقيم الإسلام ومنظومته العملية، فالإسلام أصبح مطلباً شعبياً جماهيرياً عريضاً، ولم يعد الإسلام كهوية ثقافية وحضارية محلاً للخلاف، إلاّ من قلة قليلة لا تستطيع المجاهرة بالعداء له إلاّ بطريقة خفية وبأساليب ملتوية، ولا أحد يلتفت إليهم.

ما يجب أن يتم فهمه بوضوح أن بعض الإسلاميين ممن يمارس السياسة بأفق ضيق أو بنظرة محدودة، أو من خلال أسلوب المكاسب الفردية، أو الصفقات الحزبية، قد الحق ضرراً بالغاً بالفكرة الإسلامية، وعمل على تقزيم المشروع الحضاري الإسلامي الكبير الواسع الذي يملك مقومات الانتشار على مستوى الكرة الأرضية بل على مستوى الكون، وتكمن المصيبة أحيانا بمن تعلق بهذه الفكرة السامية وهذا المشروع الحضاري العملاق، بطريقة تخلو من الفهم العميق والأداء الحضاري العريق الذي يليق بالفكرة والمشروع، وعمل على تحويل المشروع والفكرة إلى جهد فئوي ضيق، أو إطار حزبي متقزم، لا يتسع لغيره.

أمام هذا المنعطف الخطير، الإسلاميون جميعاً مدعوون للمراجعة الشاملة، على مستوى الأطر والأساليب والأدوات، وهم بحاجة ماسة إلى تطوير إبداعي خلاّق، ينقلهم من الأداء الحزبي والممارسة الفئوية إلى إطار الأمة ومشروع الأمة، وفكر الأمة، ومدعوون إلى الانتقال السريع والحاسم من مربع المنافسة والصراع على المكاسب والسلطة إلى البحث عن الجوامع والموافقات، ومصالح الأمة الكبرى، ومقاصد الشريعة الأكبر، وبناء جسور الثقة مع مكونات الأمة، والبعد عن التعجل والاستعجال في قطف الثمار واستلام السلطة، وهنا يجدر التفريق بين السياسة وبين ممارسة السياسة.

يجب أن ندرك جميعاً أننا أمام أنظمة سياسية وبنى اجتماعية، وقيم ثقافية استقرت عير نصف قرن من الزمان، ومسألة إعادة بناء أنظمة سياسية جديدة، وبنى اجتماعية وثقافية مغايرة، يحتاج إلى وقت وجهد وبصيرة وحكمة، ومعاناة شديدة، لا تأني بمجرد إصدار القرارات والفرامانات السلطوية، فالأمر أكثر تعقيداً وليس بهذه البساطة

العرب اليوم

أضف تعليقك