الإخوان و"زمزم": حان موعد الاستحقاق؟

الإخوان و"زمزم": حان موعد الاستحقاق؟
الرابط المختصر

عندما أعلنت مجموعة من قادة ونشطاء جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عن تأسيس مبادرة للإصلاح الوطني "زمزم"، دار جدل تنظيمي داخلي في الجماعة، وجدل عام بين مقولتين: إنها مبادرة ضرورية للإصلاح السياسي، وتصحيح العلاقة بين الديني والسياسي؛ فيما رآها آخرون محاولة لإضعاف "الجماعة" وقدرتها على المعارضة والعمل العام.

والواقع أنها أزمة تصلح أنموذجا للتذكير بضرورة فهم وتفكيك العلاقة بين الجماعات السياسية والاجتماعية وبين الدين، والعلاقة بين السلطة والجماعات الدينية والاجتماعية، وكيف يؤدي توظيف الدين إلى سلسلة من الحالات السياسية والتشكلات الاجتماعية.

في تأمل مثلث العلاقات؛ الحكومة والإخوان و"زمزم"، يمكن ملاحظة الظروف التي تجبر الأطراف الثلاثة على العمل والبقاء معا، رغم اتساع الهوة وتناميها بين أطراف المثلث، أو القيام بمراجعة استراتيجية لهذه العلاقة والرواية المنشئة لها. إنها أطراف مثل توائم سيامية ترغب في الانفصال عن بعضها، ولكنها لا تستطيع؛ أو تحتاج إلى عملية جراحية معقدة.

فالإخوان يمثلون مطلبا ضروريا للحكومة؛ لأنهم يشكلون المظلة الرئيسة لفئة واسعة ومحددة من المواطنين، بما يعني قدرتَها على توجيه هؤلاء المواطنين وحشدهم في موقف سياسي واجتماعي يريح الحكومة ويطمئنها، أو يؤثر عليها! وقد بدا ذلك واضحا في "الربيع العربي"؛ إذ حيّدت "الجماعة" جمهورها ومؤيديها، ودفعتهم بعيدا عن العمل لأجل الإصلاح السياسي والاجتماعي، واكتفت بمعارضة المعاهدة الأردنية-الإسرائيلية، بل وأبدعت مناسبات تاريخية لا تخطر على بال لأجل الاحتفال بها.

وفي سلوكها الملتبس، والذي يدمج بين الانفصال الديني والاجتماعي، كانت القيادة والأغلبية العامة للإخوان المسلمين في حاجة إلى واجهة وطنية معتدلة، تشكل لها حماية اجتماعية وسياسية. وكان المعتدلون يقدمون هذا الدور لكل من "الجماعة" والحكومة. وبدورهم، يحتاج المعتدلون الإصلاحيون في "الجماعة" إلى قواعدها الشعبية وقدراتها الانتخابية؛ فالجماعة تمنحهم، بتجربتهم فيها وبتاريخها وتأثيرها الإسلامي والشعبي، الثقة والشرعية اللتين تقدمهما لمنتسبيها ومؤيديها.

وهكذا، ففي الانفصال بين الإخوان و"زمزم"، سوف تبدو جماعة الإخوان جماعة جهوية معزولة ومتشددة دينيا، وتبدو "زمزم" مبادرة قيادية نخبوية معتدلة، من غير قواعد اجتماعية واسعة ومتماسكة.

اليوم، تبدو هذه الرواية وكأنها تتعرض لمراجعة أو إعادة صياغة، ويبدو مثلث "التوائم السيامية" في حاجة إلى عملية فصل مهما كان ذلك مؤلما. فالربيع العربي وضع الحكومة في معادلة جديدة، وفي مواجهة احتياجات جديدة؛ أن تجري صيانة مهمة لعلاقتها بالمجتمعات والمحافظات، وهي في ذلك تحتاج إلى قيادات اجتماعية إسلامية تعيد الدفء والتفاهم إلى علاقة المجتمع بالدولة. كما أن التشدد الديني أصبح في وسط بيت الحكومة، وليس حالة خاصة بالجماعات الإسلامية؛ في المدارس والمساجد والمؤسسات الدينية الرسمية، وتتشكل ضرورة ملحة لإعادة توجيه وتنظيم التعليم الديني، والسلوك والاتجاه الديني الرسمي وفي الوسط الشعبي. وتحتاج الحكومة في ذلك إلى معونة ودعم التيار الإسلامي المعتدل!

ولكن تظل الأسئلة المستقبلية والاحتمالات مفتوحة على المغامرة؛ هل تغامر السلطة بعلاقتها ومصالحها مع "الجماعة"؟ وهل تقدر "زمزم" على سدّ الفراغ الإخواني، أم أن مصيرها سيكون مثل المجموعات التي تركت الإخوان من قبل، فتحولت إلى مجموعات وشخصيات إسلامية محدودة التأثير الاجتماعي والسياسي؟

بالنسبة للحكومة، فإنها لن تخسر شيئا؛ فإن نجحت في عملية الفصل، فإنها ستعيد ترتيب العلاقة بين الدين والدولة على نحو يخدم السياسة العامة للدولة، ويكسر احتكار الإخوان للجماهيرية والشرعية الدينية. وإن لم تنجح، فأمامها خيارتكييف أوضاع الإخوان وفق القوانين المنظمة ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﻌﺎم. ﻓﺎﻟﺠﻤﺎﻋﺔ هيئة إسلامية تطوعية، ينتظمها اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم لمنظمات المجتمع المدني، ويفترض أن تعمل وفق القانون المنظم لهذه الهيئات؛ يجب أن يكون لها قانون أساسي واضح ومعلن، ينسجم مع القوانين النافذة، ولها مواردها وميزانياتها وﻗﻮاﺋﻢ اﻟﻌﻀﻮية اﻟﻤﻌﻠﻨﺔ، واﻟﺘﻲ تنظم أيضا وﻓﻖ تدقيق اﻟﺤﺴﺎبات وتنظيم ﻋﻤﻞ المنظمات وإدارتها. وﻣﻦ ﺛﻢ، ﻓﻼ شأن ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ وﻻ وﻻية ﻗﺎﻧﻮنية أو دينية لها ﻟﺘﻤﻨﻊ أو تدفع أﻋﻀﺎءها ﻟﻠﻌﻤﻞ السياسي أو اﻟﻤﺸﺎركة أو عدم اﻟﻤﺸﺎركة  ﻓﻲ ﺣﺰب سياسي، ﻓﺎﻹﺧﻮان اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ليسوا تيارا سياسيا، ويمكن أن تتعدد انتماءاتهم واتجاهاتهم السياسية واﻟﻔﻜﺮية أﻳﻀﺎ، وليس ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧﻮن الأساسي ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ ومبادئه العامة ما يمنع أو يلزم اﻷﻋﻀﺎء ﺑﺈطﺎر سياسي معين، وﻻ تطلب "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" منهم، وﻻ يحق لها ذلك ابتداء.

ولكن لماذا تركتها الحكومة تعمل من غير وضوح، ولا ولاية قانونية للدولة ومؤسساتها عليها؟

الغد

أضف تعليقك