الإخوان المسلمون: أزمة هوية أم أزمة وجود؟

الإخوان المسلمون: أزمة هوية أم أزمة وجود؟
الرابط المختصر

ما يحصل اليوم في أروقة جماعة الإخوان المسلمين في الداخل والخارج يشير إلى أن هناك أزمة سيكون لها نتائج واضحة في المستقبل القريب، وهي ليست وليدة اللحظة بل هي تعبير عن خلافات حادة وتباينات متضادة في الآراء والأفكار، بدأت منذ سنواتٍ طويلةٍ نتيجة ظروف فكرية واجتماعية وتاريخية؛ فمن الناحية الفكرية هناك ضجر وتململ داخل القواعد، خاصة الشباب، حيث يرون كثيرا من التناقض في سلوك القيادات وكثيرا من التخبط في التعامل مع الأحداث، فما يقال في الخلايا المغلقة وما تدعو له النظرية لا يجد على أرض الواقع أي تحقيق.

 

نحن نعرف أن منطلقات الإخوان هي منطلقات سلفية تراثية، تدعو إلى تطبيق حكم الله وإقامة الخلافة الإسلامية، والحكم الديني، ومحاربة الكفار والجهاد في سبيل الله والاستشهاد من أجله، وهذه التعبئة النظرية لا تجد لها أي صدى على أرض الواقع، فالقيادات منشغلة بالتجارة والانتخابات والبحث عن المواقع السياسية والمناصب الإدارية، مما يخلق لدى الأفراد في الجماعة تناقضاً يصل حد الإحباط، ويذهب كثبر منهم إلى الفرق الجهادية ويتحولون نحو الفكر المتشدد.

 

وهناك انقسام عمودي، من الناحية الاجتماعية، لم يعودوا قادرين على إخفائه، حيث بقي يتفاعل سنوات طويلة، ويتم التعبير عنه بطرق مختلفة وبقدرٍ كبيرٍ من التدثر بالغطاء السحري، لكن كل ذلك لم يتمكن من كبح جماحه في النهاية، فظهر بقوة على شكل مبادرة زمزم، وما تلاه اليوم من انقسام أكبر، فالانقسام الفلسطيني الأردني وتمثيلاته بالعلاقة مع حماس أخذ منذ سنوات ينفجر بشكل لافت داخل الجماعة، وقد يكون ذلك ناتجاً عن خلل فكري أيضاً، حيث من المفترض أن تكون الجماعة قادرة على صهر أفرادها وجمعهم تحت أفكار إنسانية توحدهم على الهدف وتجعلهم يسعون للنتيجة، لكن يبدو أن هذا الفكر قد ضاق وانحسر حتى وصل إلى حدود الجهوية والمناطقية والعشائرية أيضاً.

 

ويبدو أن هناك صراعاً خفياً، أو بالأحرى كان مخفياً، ومحركاته هي الانقسام بين الأعضاء بحسب أصولهم ومنابتهم، ثم يضيق أكثر أحياناً لانقسام مناطقي وعشائري، وفي النتيجة فإن الجماعة لم تكن قادرة على تجاوز أزمة المجتمع، نتيجة ضعفها في إدارة الموارد البشرية التي تنضوي تحت لوائها.

 

ومن الناحية التاريخية لم يعد سراً ما حصل في المنطقة من تطورات كبيرة تشكل عاملاً مهماً في انحسار التأثير الإخواني، فقد كان الإخوان قبل عقود من الزمن يبدون الأكثر تشدداً في المجال الديني، وكانت طروحاتهم تلقى الترحيب من الشباب الطامحين في الجهاد والذود عن حمى الإسلام والزهد في الحياة وممارسة الشعائر الروحية والجماعية، لكن هذا كلّه تغير بعد ظهور الجماعات الإسلامية المغرقة في السلفية، التي تتبنى الجهاد في سبيل الله منهجاً وعقيدة، وقد أثبتت قدرتها على تحقيق ذلك.

 

منذ حرب أفغانستان والجهاد هناك بدأت الجماعة تفقد بريقها، حتى أن أحد أكبر منظريها، وهو عبدالله عزام قد تركها لصالح البحث عن الجهاد والشهادة في أفغانستان، وكثيرٌ من أفرادها أيضاً التحقوا بالجهاد هناك، رغم أن ذلك لم يكن قرار الجماعة في ذلك الوقت، وقد يكون التعبير عن ذلك أكبر في مصر نتيجة تحول كثير من أفراد الجماعة إلى النهج التكفيري أيضاً، بمعنى آخر فإن ما كانت تنادي به الجماعة في السبعينات والثمانينات قد خفت ضوؤه بعد التسعينات نتيجة الأحداث في العالم العربي والإسلامي، ثم زادت المشكلة بعد عملية السلام مع "إسرائيل"، وظهور القاعدة وما حققته من نجاح في مجال الجهاد ومحاربة الكفار.

 

ثم جاء الربيع العربي وما حصل بعده من تطورات دراماتيكية في ظهور فرق وجماعات إسلامية تتبنى مواقف أكثر تشدداً تجاه الوضع القائم، وتملك قدرات كبيرة وتسعى لتحقيق أحلامها في إقامة الدولة الإسلامية على أرض الواقع، وهو ما لم تستطع جماعة الإخوان تحقيقه، كما يرى أتباعها، أو ربما لم تسعى إلى تحقيقه كما يلاحظ أتباعها.

 

من هنا يمكن أن التوقع بأن يكون هناك انقسام أكبر في الجماعة مستقبلاً، بل ربما يتحقق ما تسعى إليه الدولة وهو تفكيك الجماعة وتحويلها إلى جمعية مرخصة خاضعة للقوانين، ومن يبقى خارجها فهو خارج إطار القانون والدولة.

 

  • كاتب وباحث ورئيس قسمي اللغة العربية والصحافة في جامعة فيلادلفيا. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.

 

أضف تعليقك