الإحساس بالعدالة
ليس هناك أجمل من مشاعر الإحساس بالعدالة، على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد الاجتماعي، وفي مقابل ذلك ليس هناك أشد قبحاً من الشعور بالظلم، أو الإحساس بالاضطهاد أو التمييز القائم على أسس غير عادلة، تتعلق بالفكر و المعتقدات، أو اللون والعرق والجنس، لأن ذلك يوّلد مرارة في النفس لا تزول،وحقدا لا ينقضي.
الشعور بالظلم يولد بذور النقمة التي تنمو بشكل متزايد، وكلما زادت رقعة هذا الإحساس في النفوس، كلما كان ذلك سبباً في الثورات الاجتماعية؛ التي تزلزل استقرار المجتمعات البشرية، وتؤدي إلى جملة من النزاعات والاختلافات الهائلة؛ التي تعمل على إعاقة التقدم وتعطيل مسيرة الإصلاح، وتؤدي إلى قلب الحياة إلى جحيم لا يطاق.
من أهم عوامل تقدم الأمم والشعوب امتلاك القدرة على إرساء قيم العدالة في المجتمع، بحيث يشعر جميع الأفراد بهذه القيمة، وأن تشعر جميع المكونات بحفظ حقوقها؛ عن طريق منظومة القوانين والأنظمة الكفيلة بتكريس العدالة الشاملة، التي تشيع مشاعر الراحة النفسية الجميلة، وتفتح بوابات الأمل، وتشرع نوافذ الطموح والتفاؤل، التي تدفع المجتمعات نحو الرقي والتحضر، وتحقيق الإنجازات العظيمة.
ومن أهم عوامل تخلف المجتمعات البشرية وتأخرها، سيادة الظلم، وعدم القدرة على التمثل الجمعي لقيم العدالة، بحيث يؤدي إلى تفجر مشاعر القلق النفسي، وزعزعة الاستقرار المجتمعي، مما يقلل الدافعية نحو العمل، ويسد منافذ الإبداع، ويعطل مسيرة العقل عن مواصلة الإنجاز وتراكم الخبرات، ويؤدي إلى تزايد منسوب التفكيك الاجتماعي، ويشعل بذور الفرقة والنزاع ،ويدفع نحو الهجرات الاجتماعية الباحثة عن الملاذات الآمنة.
استقرار المجتمعات قائم على تعميق معاني الولاء والانتماء للدولة، وليس هناك سبيل لتنمية قيم الولاء والانتماء في نفوس المواطنين والأجيال؛ إلّا من خلال تعميق الإحساس بالعدالة، عبر الممارسات والمشاهدات، والتطبيقات العمليّة في ميدان الفعل ؛في كل مجالات الحياة ،وعلى جميع المستويات والأصعدة التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تصبح العدالة روحا تسري في كل تفاصيل التعامل الاجتماعي، وفي كل دقائق الممارسة الحياتية بلا استثناء.
نحن في الأردن بحاجة إلى وقفة تقويمية جامعة، يشارك فيها كل صاحب سلطة، وكل صاحب قرار وكل صاحب مسؤولية، وكل صاحب فكر ورأي، من أجل وضع حد لثقافة «الوساطة والمحسوبية» التي أصبحت سمة اجتماعية أردنية بامتياز، ولها من قوة التأثير في الحياة العامة والخاصة؛
شعاع-بقية
ما تزيد على قوة القانون والنظام! وأصبحت نوعاً من الأعراف والتقاليد المفروضة علينا بصرامة، بحيث لا يستطيع أحد التخلص منها أو التمرد عليها! وأصبح هناك إحساس عميق بالظلم، وشعور متزايد بمرارة التمييز؛ حيث لا طريق للوصول إلى وظيفة، أو الحصول على عمل، أو حلّ مشكلة، أو استرداد حق، إلّا من خلال الوساطة والمحسوبية والمعارف والجاهات والوجاهات! وليس من خلال القانون والنظام، وليس من خلال الالتزام بقواعد التنافس العادل،القائمة على تعليمات واجراءات واضحة ومعلنة، سواء كان ذلك على الصعيد الرسمي أو الشعبي، في القطاع العام او القطاع الخاص على حد سواء.
ليس هناك فرصة حقيقية أمام مجتمعنا الأردني بالسير في طريق التنمية والتقدم،وتحقيق الرفاه، وسلوك معارج الرقي والتحضر، إلّا من خلال العمل المجتمعي على إرساء قيم العدالة الشاملة في كل مستويات المسؤولية، بحيث يشعر المواطنون بالطمأنينة أنهم أمام دولة القانون والمؤسسات، التي تحفظ حقوقهم بشفافية ووضوح، عبر منظومة تشريعية صارمة؛ تكفل لكل مواطن قدرته على التقاضي، عند مخالفة قاعدة من قواعد النزاهة، اوعند القفز فوق القانون والنظام.
كما ينبغي العمل على إرساء قواعد التنافس العادل، أمام جميع المواطنين؛ في الحصول على الوظيفة، أو الترقي في مراتب المسؤولية، أو الحصول على مقعد جامعي، أو منحة أو بعثة دراسية، بطريقة معيارية صارمة لا تقبل الجدل أو المساومة، وأن الذين يحاولون الإبقاء على منهجية الاسترضاء والأعطيات، وعدم الالتزام بمعايير المؤسسية؛ عند ممارسة التوزير او التوظيف او الترقية، خارج دائرة القانون والنظام، وخارج منظومة القواعد والأسس الواضحة، إنما يعملون على إبقاء مجتمعنا ضمن مستنقع التخلف والفساد، ويحولون دون الأخذ بأسباب التقدم والتحضر.
أستطيع أن أزعم أن من أهم أسباب تمزق المجتمعات، وزيادة منسوب العنف والجريمة فيها؛ إنما يعود إلى تغييب العدالة، والخضوع لمنطق التمييز الظالم ،الذي يعطل القوانين والأنظمة، ويعمق الإحساس بالظلم والاضطهاد،ويهيىء لايجاد بيئة تسمح باستنبات بذور العنف والتطرف .
الدستور