الأميّة: أزمة تديّن وأخلاق
خاص لــ"عمان نت"
يحتفل العالم، اليوم، بمحو الأمية تحت شعار "التنمية المستدامة"، التي أعلنته منظمة اليونسكو، هذا العام، فيما يواجه مئات ملايين العرب والمسلمين "التخريب الممنهج" بين خرافات التديّن وفساد الأنظمة الحاكمة من كوالالمبور إلى داكار.
تبلغ نسبة الأمية في الوطن العربي 35-40%، وتناهز55% في العالم الإسلامي، وهي مرشحة إلى ازدياد، في مقابل تنامي التديّن والتعليم الديني في معظم الدول الإسلامية.
ظاهرة التدين تحتاج بحثاً علمياً عميقاً، لكن مؤشرات عدّة تدلل على تحالف رجال الدين وأجهزة استخبارات ورجال أعمال وراء انتعاش الإعلام الديني؛ فضائيات وأقراص مدمجة ومطبوعات، الذي يروّج كل ما يناقض العلم وينتقص الكرامة ويهين الإنسان، رغم ادعائه خلاف ذلك.
الإعجاز العلمي في القرآن ابتدأ الحديث عنه مصطفى محمود منذ أربعين عاماً فقط، وأصبح مشروعاً استثمارياً يعتمد تحريف اللغة والمعنى لإثبات أن "اكتشافات علمية قد تحدث عنها المصحف قبل 1400 عامٍ".
لا يتساءل المتدينون الجدد لماذا لم يفطن العلماء الأوائل أمثال: ابن سينا والرازي إلى "الإعجاز العلمي"، وهم الأعلْم باللغة وتفسير القرآن، وأنهم لم يبلغوا إنجازاتهم إلاّ بعد أن اطلعوا على علوم اليونان والهند والفرس.
مشايخ يسوقون أمثلة لا حصر لها على "الإعجاز"، ولا منجزات علمية للعرب والمسلمين ما لم ينتم أصحابها إلى مراكز البحث والمعاهد الغربية.
حدود الأميّة تؤسسها ثقافة "إسلامية" تعاني عقدة اضطهاد، إذ يجب أن ينتفض المسلم بمجرد تعرّضه للانتقاد، ويغرق في عزلته وتطرفه وتبريرهما بذريعة وجود مؤامرة على عقيدته وأمته.
نكتة سوداء أن تصبح الصين والهند والبرازيل وماليزيا وتركيا وكوريا الجنوبية من الاقتصاديات العشرين الأولى عالمياً، بعد خطط لتطوير التعليم آتت أكلها خلال عشرة سنوات، فيما يتنامى التعليم الديني في العالم الإسلامي، ومنه الأردن حيث تشكّل المدارس الدينية نصف مدارس المملكة، في وقت نشهد تراجعاً مهولاً في مستوى التعليم.
لا يعترف التعليم الديني -والتعليم الحكومي بدرجة أقل- بقيم المواطنة والدولة المدنية والتعددية والديمقراطية، وتلقّن كوادرنا التدريسية كراهية ونفوراً لنزعات الحداثة في الأدب والفنون والتعليم والمجتمع، ولديها موقف عدائي من "المرأة"، وأفكار مسبقة لِما يجب أن نأكله ونشربه ونلبسه ونتعلمه ونتخيله ونفكّر به.
ربط موجة التديّن بالأميّة ليس افتراءً، فما معنى أن نساوي بين الدين والتطور من جهة (على قاعدة أن الإسلام هو الحل)، وبين الدين والأخلاق من جهة أخرى، بينما ترتفع أعداد المتدينين في ظل مزيد من التخلف وانحدار أخلاقي لا قاع له.
- كاتب وصحافي. محرر "تكوين" في عمان نت