الأمل المنشود للإصلاح

الأمل المنشود للإصلاح
الرابط المختصر

إذا كان الفساد خروجا عن القانون والنظام من أجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للفرد أو لجماعة معينة دون سواها وسلوكا يخالف الواجبات الرسمية للوظيفة العامة بغية تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية وسوء استخدام للمنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية مما يؤثر سلبا على بنيان المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا فإن الأخطر من الفساد وأشكاله كافة اشاعة وجود الفساد لدى العامة والتلكؤ بإثباته وعدم اعطاء الفرص للجهات ذات العلاقة بتكملة مشوارها في إيجاد البينات الكافية لوجوده وعدم التكاملية بين الجهات المختلفة للتحقق من اثباته مما يوجد حالة الإحباط لدى المواطنين المنتظرين لنتائج حقيقية لمكافحة الفساد.

أسوق هذه المقدّمة للتعريج على حال ما يجري لملفات شبهات الفساد المحوّلة من الحكومة الى هيئة مكافحة الفساد والجهد الطيّب الذي تقوم به الهيئة للتحقق من ملفات شبهات الفساد وما حدث أخيرا بخصوص الملفات التي يكون الوزراء الحاليون والسابقون طرفا فيها والصراع الذي حدث بين الهيئة ومجلس النواب الموقر –والذي لن أدخل في صلبه- لأكتفي بالقول إن هنالك مؤشرا على عدم وجود التكاملية والتعاون بين مؤسسات الدولة المختلفة لتضافر الجهود لمكافحة الفساد لتلقي كل جهة اللوم على الأخرى وأحيانا تكيل التهم جزافا عن سببية طلب كل جهة لملفات الفساد من الجهة الأخرى لادعائها بالصلاحية وفق الدستور أو القانون الخاص بها وكان بالإمكان تلافي هذه المعضلة لو صبرنا على الهيئة لتكمل مشوارها بالتحقيق وجمع البيّنات من قبل المتخصصين والمدعين العامين ومن ثم تحويل الملفات ذات العلاقة بالوزراء لمجلس النواب ونكون قد أشبعنا الملفات بحثا وحققنا التكاملية المنشودة بين الجهتين وأصبنا دستوريا وقانونيا، ولعل ملف الكازينو خير مؤشر على ذلك حيث أن قانون هيئة مكافحة الفساد يعطي الهيئة صفة الضابطة العدلية لمحاسبة موظفي الدولة أنّى كانت مواقعهم، بالمقابل فمحاكمة الوزراء وفق الدستور هي لمجلس النواب وبالتالي لن نخشى تغوّل أية جهة على الأخرى ولا اضعاف أيّ منهما.

ونحمد الله تعالى بأن الإرادة السياسية الأردنية متمثّلة بشخص جلالة الملك المعزّز دوما تطالب بتجريم الفاسدين والمفسدين ومحاسبتهم وفق القانون وتضع مكافحة الفساد كأولوية وطنية وأن مؤسسات الدولة كافة خاضعة للمساءلة مما يوجد البيئة المناسبة للجهات الرقابية والمحاسبية للسير بالاتجاه الصحيح والمطلوب هنا تضافر الجهود كافة لمحاربة الفساد بكل أشكاله ومراحلة من خلال الجهات الرقابية والمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني لتعزيز منظومة القيم الأخلاقية أولا في المؤسسات التربوية والمجتمعية ومن ثم تعزيز قيم العدل والنزاهة وسيادة القانون من خلال مؤسسات الرقابة والمساءلة ليكون هنالك محاسبة حقيقية عادلة للفاسدين دون ظلم أحد منهم وبعد التحقق من البينات اللازمة لذلك لتجفيف منابع الفساد وتدشين حملة توعية شعبية واسعة حتى يقف أبناء الوطن على الأضرار الخطيرة التي يتركها الفساد ظاهرة وممارسة وزمرا والتي تأخذ أشكالا وأبعادا ومظاهر مختلفة كالواسطة والمحسوبية والمحاباة وقبل ذلك نهب المال العام وتحقيق ثروات طائلة على حساب مصلحة الوطن.

ولمّا كان الفاسدون يتلوّنون كالحرباء فإن الحرفية والمهنية العالية يجب أن تطغيا دوما لمتابعتهم ومساءلتهم كي تثمر جهود المكافحة ولا تؤثر سلبا على الاصلاح والتنمية,

من هذا المنطلق فإن الحكم الرشيد في الشفافية والمساءلة مطلوب بصرامة لتؤتي هذه الجهود الوطنية المباركة أكلها من حيث النتائج الدقيقة دون ظلم أو محاباة بل بميزان العدل المستند للمعلومة الدقيقة ولنقتصّ للوطن من الزمرة الفاسدة لتكون عبرة لغيرها حيث أن الشارع بانتظار التنائج التي ستفضي اليها الجهود الحكومية في هذا الصدد طبقا للتوجيهات الملكية السامية لمحاربة الفساد. ولا يكفي تحويل الملفات فقط لهيئة مكافحة الفساد خوفا من أن نثقل كاهلها على حساب نوعية ونتائج عملها في خضم نقص الكادر لديهم- إضافة للحلول بعيدة المدى لمكافحة الفساد من خلال التأسيس لثقافة مجتمعية نزيهة تحارب الفساد والمفسدين وتحافظ على الأموال والممتلكات العامة وتعمل على تنشئة وتربية جيل جديد من أبنائنا وبناتنا لإيجاد قيم ومفاهيم تعزز لديهم موقفا معاديا للفساد ومحاربا له ورافضا لكل ما يمت له بصلة كالسرقة وأخذ حق الغير وما إلى ذلك. وهي عملية تكاملية تبدأ من البيت الى المدرسة فالجامعة فالمجتمع وهكذا لأن محاربة الفساد مسؤولية جماعية ووطنية مشتركة بخاصة أن مكافحة الفساد هي المقدّمة الأولى للإصلاح بالتزامن مع عمل لجان الحوار الوطني والاقتصادي واللجنة الملكية لتعديل الدستور فهلا عملنا على تأطير ذلك؟

* وزير الأشغال العامة والإسكان السابق

أضف تعليقك