الأعراس الوطنية والمعارك الانتخابية
لا ندري ما وجه الشبه بين الانتخابات والأعراس والمعارك. البعض منا، وكل له أسبابه، يصفون انتخاباتنا بالأعراس، والجميع من دون استثناء يصرون للأسف على وصفها بالمعارك الانتخابية.
لماذا الانتخابات لدينا أعراس أو معارك؟ وكيف نجمع في توصيفنا للانتخابات بين الأعراس التي تشي بالفرح، والمعارك التي تتفجر بالعنف؟ أسئلة سوف تبقى قائمة الى أن يكتب الله لنا ان نحيا الديمقراطية على حقيقتها.
حري بنا ان نقرأ ثقافتنا، لعلنا نلتمس لأنفسنا جوابا يفسر خلطنا هذا بين الفرح والعنف، ويكشف عن دواعي مسعانا إلى فرح عنيف، أو عنف مفرح، لا ندري إن كان لأي منهما وجود حقا، او يشكل جزءا من ثقافات شعوب أخرى غيرنا. هل هي جذور الصحراء فينا أم امتدادات البداوة أم الموروث الديني القائم على الجهاد والاستشهاد أم هي كلها معاً وربما معها أشياء أخرى؟
ما إن تدور عجلة الانتخابات، حتى تبدأ جوقات إعلامية مختلفة، عزف مفرداتها القديمة والمملة عن العرس الوطني، الذي لم تكفّ عن الحديث عنه مع كل موسم انتخابي طوال العقدين الماضيين. أما حديث الحرب والضرب فيقارفه الجميع وهم لا يجدون غير المعركة يصفون بها العملية الانتخابية وحالة التنافس بين المرشحين.
لا أحد يريد ان يتزوج من أحد في الانتخابات بحسب ما نعلم. فالعقد الاجتماعي الذي تؤسس له الدساتير يختلف في طبيعته وأهدافه عن عقود الزواج. وآخر ما يفكر فيه الناخبون ان يدخلوا مع نوابهم في علاقة كاثوليكية. العلاقة الدائمة تكون مع البرامج التي تلبي احتياجاتهم وتستجيب لتغيراتها، وتسعى وراء ما تراه الأغلبية في لحظة ما مصلحة عامة. ولكل لحظة خصوصياتها وأغلبيتها المختلفة.
إقحام الفرح ليجمع بين العرس والانتخابات في مجتمعنا الذي يتوق للديمقراطية والمشاركة، فيه من حسن النية مالا نقره كاملاً حتى لا تصبح الانتخابات عرساً بالفعل. فالعرس خاص والانتخابات عامة، ويبقى الخاص خاصا والعام عاما حتى لو حاولنا ان نلبس العام عباءة خاصة، او نعمم الخاص لنجعله وطنيا.
ليس القصد ان يغيب الجانب الاحتفالي عن الانتخابات المقبلة وأي انتخابات أخرى بعدها، وإنما ان لا يكون الجانب الاحتفالي هو الحاضر الوحيد او الأبرز في المشهد الانتخابي. الحاضر الأهم بعد ان صدر قانون الانتخاب المؤقت على خلافيته، ينبغي ان يكون تطبيق القانون نصا وروحا في كل ما يتعلق بإدارة الانتخابات لضمان شفافيتها ونزاهتها ودقة إجراءاتها وسلامة نتائجها، وضمانا أيضا لمشاركة مريحة وآمنة للناخبين في ممارسة حقهم الدستوري وواجبهم الوطني.
إقحام المعارك في الانتخابات لا يختلف عن إقحام الأعراس فيها من حيث انه خطأ، لكنه يختلف عنه في انه يحمل قدرا أقل من حسن النية. ما يجعل رفضنا له اكبر، مقرونا بكثير من الأمل ان لا تكون ثمة ثقافة عميقة تقف من خلفه، وإنما مجرد متبقيات مرحلة غير ديمقراطية سابقة، انتقلت الى مرحلة التحول الديمقراطي، ولا بد ان تبدأ بعدها بالاختفاء تدريجيا.
في حضرة الديمقراطية بجلالها وبهائها، حري بنا ان لا نستلهم أعراسا، ولا نستدعي حروبا. بل دعونا نمضي الى الانتخابات باحترام وسلام، ونديرها بطريقة ناجحة، يسودها الأمن والانضباط، ولا تفسدها شدة التنافس، أو الانتهاكات الجارحة للنزاهة. فما نزال في بداية الطريق الديمقراطي، وهو أمامنا طويل طويل.