الأردن وحرية التعبير

الأردن وحرية التعبير
الرابط المختصر

في استقصائنا لـ"الأرقام الصغيرة"، والمراتب شبه المتقدمة، نبيح لأنفسنا تجزيء الأمور والظواهر إلى أقسام و"بيئات". حتى بالنسبة إلى حرية التعبير والصحافة، فنحن لا نتورع عن تصنيف أنفسنا بناءعلى معطيين؛ إقليمي وعالمي.

الخريطة التفاعلية التي نشرها موقع "سي. إن. إن"، حول حرية التعبير في منطقة الشرق الأوسط، تضع الأردن في المرتبة الخامسة إقليميا، وفق بيانات واستطلاعات لـ"فريدوم هاوس غلوبل برس"، ومسوحات لجامعة "نورث ويسترن" في قطر.

مرتبة لا بأس بها. ولكن، حين ننظر إلى موقع الأردن على الخريطة العالمية لحرية التعبير، سنصاب، بلا شك، بالإحباط؛ فقد حل في المرتبة 145 من بين 197 بلدا!

لا نظن أن مسائل الحريات يمكن "تبييئها"، فهي ذات معايير قياسية. ولكن العالم الذي يضع منطقتنا تحت مجهر أبحاثه ودراساته ومسوحاته، يدرك، قطعا، أنه لا يمكن لنا المنافسة على مستوى البلدان الحرة. لذلك، يجعلنا نخوض منافسة "داخلية"، لنفرح بالمراتب "المتقدمة" التي نحققها.

ولعل أخطر ما لفتت إليه المسوحات، هو زيادة وسائل الإعلام من ممارسة الرقابة الذاتية في العام 2012. وهي رقابة تفرضها معطيات كثيرة على الأرض، أقلها الخوف على مصدر الرزق الذي يعيش منه الصحفيون، أو الخشية على مجمل مستقبل وسيلة الإعلام، سواء كانت صحيفة مطبوعة، أو موقعا إلكترونيا.

لكن، وبعيدا عن استطلاعات الرأي والمسوحات التي قد تكون، أحيانا، غير منصفة أو منحازة بالكامل، وكصحفيين نعمل يوميا ضمن سقوف يتم "البناء" على أساسها بما يشبه الاتفاق غير المكتوب، نعلم أن حرية التعبير، بشكلها العام، تجري عمليات واسعة لـ"قضمها"، وأحيانا محاولات لتدجينها، في إطار عملية واسعة تسعى إلى إحلال اللون الواحد في وسائل الإعلام المختلفة.

عبر سنوات طويلة، يعمل الإعلاميون في الأردن ضمن سقوف تختلف بين فترة وأخرى؛ إذ تأتي على السقف الإعلامي حالات مد وجزر؛ يرتفع أحيانا، ليقع ضمن درجات الصحافة الحرة، وينخفض أحيانا أخرى، وعلى جميع المستويات، فتغيب حتى حرية التعبير عبر الرسائل النصية على الهواتف الشخصية بين الأصدقاء، والتي يمكن أن تسحب صاحبها إلى السجن، قبل أن يزور المحكمة.

خلال السنوات القليلة الماضية، وفي ذروة أمواج "الربيع العربي" المتلاطمة، شهدنا توجيه اتهامات عديدة لكتاب ومثقفين ونشطاء سياسيين، جميعها تتمحور حول حرية التعبير. وقد جاء بعض تلك الاتهامات متعارضا مع الضمانات الدستورية لحرية التعبير، خصوصا أن منها ما استند إلى آراء شخصية في مقابلات تلفزيونية.

الإصلاح الحقيقي يبدأ بإشاعة الأجواء الديمقراطية، وأولها حرية التعبير عن الرأي، وإطلاق يد الإعلام من الأغلال القانونية التي "حيكت" بعناية لكف يده عن ممارسة دوره الرقابي.

والإصلاح الحقيقي، كذلك، لا بد له من أن يؤسس لتسامح كبير مع المعارضة، خصوصا أنها معارضة وطنية، ولم يتم استيرادها من تايوان.

الغد

أضف تعليقك