الأردني العنيف!

الأردني العنيف!

أن يصل الأمر الى القتل بسبب "جحرة عين" وأن تنشأ طوشة جماعية بسبب تلاسن بين شخصين، وأن تهجم جماعات على أسواق لتحرق وتكسّر ثأرا لحادثة فردية أعطى مؤخرا صورة غير مسبوقة عن الأردني؛ طبع حاد، مزاج حار، وميل غريزي نحو العنف، صورة دخيلة وغير مألوفة تثيرة حيرة المراقبين.

صحيح أن الجدّية والكشرة سمة مألوفة، لكن أبدا ليس العدوانية والعنف. أتذكر تماما أيام الدراسة في الخارج، وكان هناك مجاميع من مختلف الأقطار العربية، أن شخصية الأردني على العموم لم تكن أبدا موسومة بالحدّة، كما كان الانطباع عن الجزائريين مثلا، الأردني يميل الى الجدّية والاحترام، والكرامة قيمة أساسية، وهي في الواقع صفات سلوكية تقي من أشكال الاحتكاك الذي يولد العنف.

هذه الصفات الأساسية ما تزال هي نفسها، لكن البيئة الاجتماعية- الاقتصادية تطورت وتتطور باتجاهات تولد ميلا متزايدا للعنف، وقد طالبنا الحكومة في مقالين سابقين بوقفة مراجعة جدّية، ونشرت تعليقات كثيرة تدعو الى وقفة مع الظاهرة، وها هي الحكومة تستجيب بتشكيل لجنة وزارية لهذه الغاية، لكن إجراء عملية بحث وتقصّ شاملة لظاهرة "العنف المجتمعي" وسبل معالجتها، ليس في تفاصيله شأن لجنة من الوزراء، فاللجنة يمكن أن تضع الإطار والمعايير والمرجعية للبحث الذي يتولاه مركز دراسات موثوق يخرج باستخلاصات موضوعية محايدة في إطار زمني معقول.

أحد أوجه العلاج لبعض أنواع العنف جاء في التعديلات التي أقرتها الحكومة على قانون العقوبات، وهي نصوص تقادمت كثيرا، ولا تواكب تطور الواقع كما قال وزير العدل. وبينما جرى تخفيف بعض العقوبات جرى تشديد للبعض الآخر، مثل جرائم الاعتداء على الموظف العام وجرائم الاغتصاب وبعض جرائم السرقة والاعتداء على العنق والوجه. وبالنسبة لهذا النوع الأخير فقد جربته، واكتشفت تخلف القانون الذي كان يتيح لذوي السوابق أن يصولوا ويجولوا بشفراتهم القابلة للإيجار، وهم يعرفون ان عقوبتهم بضعة أسابيع قابلة للاستبدال بغرامة، فشطب الوجه مهما بلغ الأذى لم يكن يختلف في القانون عن أي ايذاء جسدي عابر، بينما ضربة شفرة تؤدي أحيانا إلى قطع عصب يخلف شللا دائما في عضلات الوجه أو على الأقلّ ندبا بارزا طالما دمّر مستقبل شباب في الزواج والوظيفة، وفي قضيتي نال المعتدون الحدّ الأقصى للحكم، وهو سنة واحدة، أمّا التعديل الجديد فيرفع العقوبة إلى 3 سنوات.

لكن قانون العقوبات لن يعالج ظواهر أخرى من العنف المجتمعي، وتحديدا تلك المرتبطة بردود الفعل الاجتماعية- العشائرية، ويا ليت لو أنّ هذه اللجنة تشكلت وقدمت توصياتها أبكر، فهي من المؤكد كانت ستقدم استخلاصات معاكسة 180 درجة لما ذهب إليه مشروع القانون الجديد المتوقع للانتخابات!

أضف تعليقك