الأردنيات قادمات من كوكب المريخ
المطالب بمنح الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات ليست وليدة اللحظة، ولم تصنعها المبادرة النيابية، بل هي تعبير عن معاناة وصرخات آلاف الأمهات الأردنيات منذ عقود، ولهذا فمن العبث والاستهانة ربطها بصفقة سياسية، أو بجولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في المنطقة في سياق تقديم تصور لحل للصراع العربي الإسرائيلي.
لم تغب قضية الحقوق السياسية والمدنية لأبناء الأردنيات، وربما في الحراك الشعبي منذ الربيع العربي ارتفعت وتيرة المطالبات، وصارت هناك حملات ضغط، واعتصامات في الشوارع، ولن يغيب عن بالنا حملة "جنسيتي حق لأبنائي".
وللتذكير؛ فمنذ سنوات وقبل الربيع العربي كانت الملكة رانيا أول من طرح فكرة حقوق أبناء الأردنيات في مؤتمر للسيدات الأوائل في العالم العربي، ولأول مرة كنت أسمع في الإعلام ردود فعل غاضبة لا توافق على ذلك، وهذا ما زاد في قناعتي بأن هذا الملف الحقوقي بامتياز، والإنساني بكل ما تعني هذه الكلمة يجري "تسييسه" واللعب فيه، وأن المسألة لا ترتبط فقط بثقافة ذكورية سائدة في المجتمع تتجاهل كرامة وحقوق المرأة، بل أن الأمر أبعد، وأنه ملف يختلط فيه السياسي بالأمني، وهناك من هم في موقع صناعة القرار يصبون "الزيت على النار"، وقد تجلى هذا الأمر بوضوح الآن، عندما عبرت شخصية كانت تشغل مكاناً حساساً في الدولة عن رأيها وبلغة تفتقر حتى لأبجديات الاحترام للمرأة الأردنية، الأم، والأخت، والزوجة، والإبنة!.
لا تبحث قضية أبناء الأردنيات في الغالب من منظار حقوقي، ويجري القفز بشكل لافت للانتباه عن الحقوق الدستورية، والتي تساوي بين المرأة والرجل، ولا تبحث القضية من منطلقات حقوق الإنسان والمعاهدات التي صادق عليها الأردن وأصبحت ملزمة وتسمو على القانون الوطني.
ولا ينظرون بأنه خلال الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان في الأردن بمجلس حقوق الإنسان بجنيف قبل أشهر كان قضايا المرأة الأردنية الأكثر حضوراً، وأن هناك التزامات على الدولة الأردنية أمام العالم.
فقط يطرح الأمر بأنه خطر ديموغرافي على هوية الأردن، وأن الابن في الإسلام يمنح جنسية أبيه، وأننا لن نخالف هذه العادات، ويتم تهويل الأرقام التي ستأخذ حقوقاً مدنية أو سياسية، وكل ذلك يوضع تحت مظلة "التوطين" للفلسطينيين في الأردن وإلغاء حقهم بالعودة، مع أن هذا الحق لا يسقط ولا ينتزع بالقانون الدولي بسبب الحصول على حقوق مدنية أو جنسية دولة أخرى.
من المهم أن تجيب الدولة بشفافية عن حجم هذه المشكلة لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، كم عددهن، وما هي أكثر الجنسيات التي ارتبطن وتزوجن منها، فالاعتقاد السائد أن الغالبية العظمى تزوجن بفلسطينيين، ولكن هناك معلومات تقول بأن هناك رقم كبير جداً متزوجات من مصريين، وعراقيين، ومن الضروري أن يعرف كم يبلغ عدد أبنائهن؟!.
والمفارقة التي أثارها النائب خليل عطية بأن الأردنية التي تنجب طفلاً خارج فراش الزوجية وكان غير معروف الأب، أو الأطفال مجهولي النسب يمنحون الجنسية الأردنية فوراً، في حين يرفض البعض حتى منح حقوق إنسانية لأبناء الأردنيات اللاتي تزوجن من غير الأردنيين تستحق التأمل والدراسة، وهي باعتقادي كوميديا سوداء!.
الأردنيون الذين يعيشون في أوروبا وأميركا يعتقدون أن من حقهم القانوني أخذ جنسية البلدان التي يقيمون بها لسنوات، أو إذا تزوجوا من نسائها، وحقهم لا يجادل به أحد بأن أبنائهم الذين يولدون على أراضي تلك الدولة يمنحون الجنسية في كثير من الأحوال فوراً، ويكفي أن تلد أردنية في سماء الولايات المتحدة الأميركية أو في مطارها ليأخذ الابن الجنسية الأميركية، والغريب في الوقت نفسه بأننا ما زلنا نجادل بحقوق أبناء الأردنية وكأنها جاءت من كوكب المريخ وليست ابنتنا وأختنا، وأن معاناتها من معاناتنا!.
الغبار السياسي الذي تثيره التسريبات عن الحلول التي يقدمها كيري، يتسبب في حالة احتقان مجتمعي، واحتراب داخلي، ومعارك داحس والغبراء في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ووسط هذه العواصف يغيب المنطق الحقوقي، وتسقط المرأة في حسابات السياسة وتظل الضحية في كل الأحوال!.