الأحزاب وقانون الانتخاب
في مصر, على سبيل المثال, لا تعترف الدولة بجماعة الاخوان المسلمين ولا يوجد حزب مرخص لهذه الجماعة كما هو الحال في الاردن. مع ذلك اوصلوا الى مجلس الشعب في الانتخابات الاخيرة اكثر من 87 نائباً وبعض المراقبين اكدوا بان العدد كان سيكون اكبر لولا ان الحكومة المصرية منعت ترشيح العديد منهم في دوائر مختلفة قيل في حينها, ان نجاحهم كان مضموناً.
اتخذ هذا المثال كمدخل للحديث عن الاحزاب الاردنية والانتخابات المقبلة التي ستجري في تشرين الثاني المقبل. وايضاً لا اقصد المقارنة بين الحالتين للاخوان, في مصر والاردن. فالواقع ان حزب جبهة العمل الاسلامي سيخوض هذه الانتخابات كعادته على اساس برامجي, وانه يمتلك من القدرة والخبرة التي تمكنه من ايصال عدد لا بأس به من النواب الى المجلس الجديد. وهناك من يتوقع ان يكون عددهم بين 15 - 20 نائباً لان نظام الدوائر الصغيرة يعزز قوتهم الانتخابية.
ما اقصد في المثال المصري هو محاولة استكشاف دور الاحزاب الاردنية الاخرى في الانتخابات وفيما اذا كان بعض هذه الاحزاب سيخوض المعركة في اطار قائمة حزبية, كما يفعل الاسلاميون. ام يواصل الاختباء خلف النفوذ العشائري.
يأتي التيار الوطني في مقدمة الاحزاب في منافسة الاسلاميين من حيث القوة والحضور ويليه حزب الجبهة الاردنية الموحدة, واخيراً مجموعة احزاب المعارضة من قومية ويسارية. فلم يعد مفهوماً ان تخوض هذه المجموعات الحزبية الانتخابات على اسس عشائرية فقط, كما كان يحدث في الانتخابات السابقة بحجة ان مرشحيهم يكونون في وضع انتخابي افضل اذا خاضوها كأشخاص وعلى اسس عشائرية وان من الصعوبة ان ينجحوا اذا ترشحوا على اساس حزبي.
تصغير الدوائر وحساباتها في القانون الجديد تسقط هذه الحجج, والواقع انه حان الوقت لان تلعب الاحزاب الدور المطلوب منها لتطوير المعركة الانتخابية, وان تتوقف عن وضع اللوم على الحكومة وعلى قانون الصوت الواحد. ولا اعرف كيف يحق لأي حزب أن يكتسب هذه الصفة اذا كان عاجزاً عن خوض انتخابات في "109" دوائر صغيرة وغير قادر على ان يثبت حضوراً ونفوذاً في عدد من هذه الدوائر.
خير لهذه الاحزاب ان تدخل المعركة الانتخابية على طريقة جبهة العمل ببرنامج موحد لمرشحي كل منها, فهي بذلك حتى وان حققت نتائج متواضعة ستكون بوضع افضل من مواصلة الاستسلام للبنية السابقة للعملية الانتخابية القائمة على اساس عشائري فقط بحجة ان الشعب الاردني يكره الاحزاب ولا يؤمن بها. فاذا كانت هذه هي قناعة الاحزاب فمن الافضل ان تغلق ابوابها. لان هذا ظلم للتعددية وظلم للشعب الاردني. ولانه يفترض ان الشعب هو الذي ينجح النواب وليس الحكومة "مع التسليم بانها ستكون انتخابات حرة ونزيهة".
فالحزب اي حزب يكون قد اكد حضوره اذا خاض معركته على اساس حزبي, وحتى لو فشل مرشحه في عدد من الدوائر وجاء في المرتبة الثانية او الثالثة فهذا مكسب كبير له وتعزيز لنموه وحضوره في الحياة السياسية وسيكون ذلك افضل من الانتظار حتى يكتمل قمر الديمقراطية...!!
بالطبع, العشائرية والعائلات والانتساب لبلدة او قرية معينة لها دور مهم في انجاح المرشح, حتى وان كان اسلاميا ويحمل برنامجا. وهذا يثبت ان العشائرية احيانا تساعد المرشح عندما يكون قادرا على فرض حضوره كحزبي.
كنت قد كتبت هذه المقالة قبل ان يعلن مصدر في التيار الوطني التوجه لخوض المعركة على اساس حزبي وبرامجي, وهذا إن حدث سيعتبر خطوة كبيرة وشجاعة تسجل لهذا التيار وستكون علامة على طريق تطور التعددية السياسية البرلمانية خاصة وان التيار يمتلك الفرصة لايصال كتلة نيابية لن يقل عدد اعضائها عن كتلة العمل الاسلامي.
ويبقى ان يتخذ حزب الجبهة الاردنية الموحدة وكذلك مجموعة احزاب المعارضة خطوة مماثلة. لان التعددية في البرلمان ليست مجرد شعار انما هي مسألة عمل ونضال ميدانها المعركة الانتخابية.