الأحزاب والانحراف عن الغايات

الأحزاب والانحراف عن الغايات
الرابط المختصر

تحويل الأحزاب السياسية إلى جيوش مصغرة، وتحويلها إلى تراتبية عسكرية مكونة من قادة وجنود، وقيادة أركان تصدر الأوامر من علو، وعلى الآخرين التنفيذ، بدعة خرقاء، وانحراف خطير عن الأهداف الحقيقية التي وجدت من أجلها فكرة الأحزاب وإنشاؤها.

فالأصل في فكرة الأحزاب أنها عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين اجتمعوا على فكرة محددة، تتعلق بإدارة الدولة وقابلة للتطبيق عبر برامج ورؤى عملية، ويسعون إلى اقناع الجماهير بهذه الأفكار والرؤى والبرامج من أجل حيازة الثقة عليها في سبيل تحقيق المصلحة العامة التي تعود على جميع المواطنين بالنفع والأمن والاستقرار والرفاه.

الأحزاب السياسية وفقاً لهذا المنظور، يكون كل الأعضاء المنخرطين فيها على درجة واحدة من الحقوق والواجبات، والكرامة والإرادة والحرص والانتماء، ويسعون إلى إدارة فكرتهم من خلال اختيار مجموعة قيادية تتحمل مسؤولية تنسيق الجهود والتقويم والتعديل والاستدراك، ويترتب على ذلك إعادة النظر الدائم بهذه المواقع القيادية، بحسب القدرة على تحمل مسؤولية هذا الدور التنسيقي، فليس الحزب عبارة عن مليشيا لخدمة زعيم كبير أو نخبة قيادية متحكمة، وكذلك ليست الأحزاب مجموعات من الأتباع الملتفة حول بعض الشيوخ الكبار الذين يفيضون على من حولهم بالعلم والوعظ.

الحزب عبارة عن برنامج عمل، ووسيلة مبتكرة لخدمة الدولة، وخدمة الجمهور بطريقة جماعية منظمة، ويستمر الحزب في الحياة بمقدار قدرته على تحقيق الهدف، وبمقدار خدمته للوطن، وعندما يعجز الحزب عن تحقيق الهدف وتقديم الخدمة يفقد مبررات وجوده، لأن الحزب ليس هو الغاية ولا يمثل وجوده هدفاً بحد ذاته.

في كثير من الأحيان يستغرق المتحزبون بالوسيلة، ويصبح العمل من أجل خدمة الحزب هو الأمر المهيمن على الحياة الحزبية، وينسى المنخرطون في العمل الحزبي الهدف الأصلي والغاية العليا التي أنشئ من أجلها، ويتحول الحزب إلى بقرة مقدسة، ويجري تسخير الأوطان والجماهير من أجل خدمة الحزب ورفعة شأنه وليس العكس.

وعندما يستغرق الأفراد في مدح الحزب وتبرير وجوده، وعندما يخوضون معركة الدفاع عن اسم الحزب وأفكاره، ينسون أن الحزب عبارة عن إطار لخدمة الفكرة، وليست الفكرة لخدمة الحزب، وهو إطار عملي لتجميع الجهود الفردية لتقديم الخدمة المثلى للوطن والدولة.

وينطبق ذلك على الأحزاب الاسلامية التي تم ابتكارها من أجل التمكين الجماعي من خلال اشتقاق رؤى وبرامج عملية من الإسلام وفلسفته ومبادئه قابلة للتطبيق لخدمة عامة الناس، وخدمة الأوطان والمقدرات، وهذا محض اجتهاد قابل للتقويم، وقابل للصواب والخطأ، فالحزب الاسلامي ليس هو الاسلام نفسه، كما أن الحزب ليس وصياً على الاسلام، ولا يحتكر النطق باسم الاسلام، وإنما هو عبارة عن مجموعة أفراد تؤمن بأن الاسلام يمثل مرجعية قيمة لاشتقاق البرامج العملية في كل الاوقات وفي كل الاماكن لتنفيذ حاجات الناس، وتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة.

وإذا فشل من يحمل هذا البرنامج وهذه الرؤى والتطبيقات العملية، فلا يعني فشل الاسلام، ولا عدم صلاحية الاسلام لأن يكون فلسفة حياة شاملة وفاعلة وقادرة على تحقيق سعادة الناس، وإنما هو عجز مجموعة محددة في وقت محدود وفي مكان محدود فقط عن تحويل هذه المثل إلى واقع معاش.

الأوصاف التي تطلق على الاسلام كدين وفلسفة حياة لا يجوز اطلاقها على البشر الذين يحاولون امتثال قيم الاسلام ومبادئه العامة، وانما ينبغي التسليم بأن البشر يصيبهم العجز والقصور، وتتفاوت المجموعات البشرية بالفاعلية والابداع الذي يمكنهم من القدرة على التعامل مع الواقع بكفاءة، ولذلك قد تنجح مجموعة تتمثل هذه القيم في مكان ما لتوافر مجموعة من العوامل الأخرى اضافة الى التمكن من الأخذ بالأسباب بطريقة سليمة، وقد تفشل مجموعة في اماكن أخرى لعدم توافر أسباب النجاح من جهة، ولعدم القدرة على الأخذ بالأسباب من جهة أخرى.

من الخطورة بمكان أن يصيب الغرور بعض المنخرطين في هذه الأطر بحيث يخلعون على أنفسهم عصمة الدين وقداسة العقائد، ويتعاملون مع الشأن السياسي بهذه الطريقة الفوقية التي تخلو من الفهم السليم، والتواضع المطلوب، فيلحقون الضرر بأنفسهم وأحزابهم وأوطانهم وشعوبهم.

العرب اليوم