استطلاع المئة يوم والأطقم الخفية!

استطلاع المئة يوم والأطقم الخفية!

لا يبدو أن رئيس الوزراء سمير الرفاعي تفاجأ بمؤشرات تراجع شعبية حكومته بعد 100 يوم على تشكيلها. الأسوأ أن دربكة عدد من وزرائه تنذر بتواصل انزلاق مؤشر حكومته البياني بعيدا عن التوقعات الأولية, حين جاء بكتاب تكليف مثالي مدجج بوعود التغيير.

هكذا حال الحكومات منذ دشّن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية تقليد قياس شعبيتها عام 1996 لدى شريحتي قادة الرأي والمواطنين; عند التشكيل, بعد ثلاثة أشهر وسنة.

بالنسبة للرفاعي, بدا التراجع محدودا مقارنة مع استطلاع التشكيل; فهو ما يزال يتمتع بثقة 65% من النخب (ساسة, مهنيين, أكاديميين, إعلاميين ورجال أعمال), مقابل 61% من العينة العامة.

لكن التراجع الملحوظ سجّل في شعبية الفريق; إذ انخفضت بفارق تسع نقاط إلى 52%, وهي مرشحة للتراجع في الاستطلاع المقبل إن بقيت الأمور على حالها.

فإدارة بعض الوزراء المرتبكة أشعلت سلسلة أزمات في الأسابيع الأولى من عمر الحكومة, بما فيها التعامل مع ملفي نتائج التوجيهي وعمّال المياومة في وزارة الزراعة. تلك الإرباكات عكست في بعض أوجهها تضاربا في المواقف لدى أعضاء الحكومة.

ويتعارض ذلك مع الانطباعات الأولية التي رسّخها الرئيس منذ البداية بأن حكومته صاحبة القرار, منذ أقرت بأزمة عجز الموازنة وارتفاع المديونية لمستويات مقلقة, وأيضا إعلانها أنها لا تبحث عن الشعبية بل تريد معالجة الأزمات من جذورها, ثم تعزّزت الانطباعات بأن الحكومة لا تخشى المواجهة حين تصدّت لشبهات ٍفساد مثل مشروع توسعة مصفاة البترول, اختلاسات في وزارة الزراعة, وقلّصت جيلا من المؤسسات المستقلة التي تغذّت وسمنت خلال السنوات الخمس الماضية على شرايين مخصصات الوزارات في الموازنة.

في المقابل, أظهرت الحكومة ارتباكا في مواقف مفصلية أخرى; اعتصام المعلمين وقضّية التوجيهي. تلك الأزمات عكست حالة شدّ بين "سياسيين محافظين" يتحكمون بمفاصل صناعة القرار ومن يعرفون ب¯ "إصلاحيين وطنيين".

على أي حال, الاستطلاع الأخير مفيد لأصغر رئيس وزراء عمرا في عهد عبد الله الثاني, ذلك أنه يقيّم أداء الحكومة لجهة إدارة ملفات خارجية وداخلية.

من التقى رئيس الحكومة بعد نتائج الاستطلاع ينقل عنه "بأن أيا كان ليس معصوما عن الخطأ", "من لا يتخذ قرارات لا يرتكب أخطأ" و"الحكومة لا تعمل تحت الطاولة بل بشفافية كاملة" صوب تنفيذ منظومة إصلاح بالتكامل والتوازي. وينقلون عنه تأكيده: "نعمل باستمرار لتدارك الأخطاء".

قد يفيد الرئيس إحراز تقدّم ملموس في ملف المساعدات الخارجية, في ضوء جولته الواعدة في دول الخليج.

أما الطاقم الحكومي, فيظهر الاستطلاع تقصيرا في التواصل بين أعضائه والرأي العام, في شرح الحراك المفترض أن يعزّز شعبيتها, مثل مكافحة الفساد. كذلك تحتاج خطة الحكومة التنفيذية لترويج صادق, مبرمج لدى مختلف شرائح المجتمع لضمان حد أدنى من التوافق, وتسريع وتيرة التحديث الشامل, المتعثر منذ سنوات بسبب التخبط والمراوحة, بدعوى التكيف مع ترضيات داخلية وسيناريوهات إقليمية.

يؤشر الاستطلاع أيضا ان فجوة الثقة بالحكومة ما تزال قائمة, وهي مهيأة للتغير, تبعا لما تتخذه من إجراءات لمعالجة أولويات المواطنين الاقتصادية والمعيشية.

بعض الوزراء باتوا عبئا على الحكومة, لكن ينقل عن الرئيس شعوره بأنه لا يستطيع الحكم على كفاءة أي منهم قبل مرور عدة اشهر, وهو يريد منحهم فرصة كافية قبل أي تعديل.

"تعودنا أنه بعد مرور 100 يوم تكون الطريق الأسهل إجراء تعديل", على ما ينقل عن الرفاعي. لكن ذلك يشبه اللجوء لإبرة المورفين لتخدير الوجع, فالمطلوب معالجة مشاكل الناس عبر تغيير السياسات أكثر من الاشخاص".

يرى الرفاعي أن أيا من أعضاء طاقمه لم يرتكب حتى اليوم أخطاء كبيرة في تنفيذ السياسات المرسومة, والتحدّي الأكبر بالنسبة له يكمن في ضعف بنية الكفاءات البشرية والتقنية القادرة على إسناد متخذ القرار وذلك ناجم عن تراكم أخطاء الماضي لجهة أسس التعيين (رغم تشكيل عشرات اللجان) وبطء إصلاح القطاع العام, المشغّل الأول.

على أن هذه الأفكار تتناقض مع تسريبات تتحدث عن نية الرئيس إخراج ستة وزراء على الأقل قريبا, في مواجهة سلسلة تحديات قابلة للتفاقم, فضلا عن التحضير للانتخابات التشريعية بنزاهة وشفافية في مجتمع منقسم حيال شكل الأردن الجديد وهويته.

يشعر الرئيس بالفخر لإنجاز برنامج حكومته التنفيذي خلال 60 يوما, بما يضمن آلية "واضحة لقياس المخرجات". وكذلك يبث ارتياحه "للتماسك والانسجام" داخل فريقه الذي يجمع ساسة مجربين, غالبيتهم تقليديون وتكنوقراط, بفئات عمرية وخلفيات متعددة, فمنهم من خدم في حكومات والده زيد الرفاعي, مثل نائب الرئيس د. رجائي المعشر, وشباب مثل عماد فاخوري ومروان جمعة, لكن ذلك الانسجام قد يكون مبالغا فيه نظرا لحال الشد بين بعض أعضاء الفريق الذي يتعامل مع القرارات والسياسات السيادية.

من الانجازات التي يتحدث عنها الرفاعي, إقرار مدونة سلوك ملزمة تنظم عمل كبار المسؤولين وميثاق شرف ينظم العلاقة مع الإعلام بعيدا عن الابتزاز وشراء الذمم, ما فتح عليه عش دبابير, كما أصدر سلسلة ملاحق للموازنة لسد ثغرات تمويلية معلقة وباشر في تنفيذ سياسات تقشف بما فيها تخفيض رواتب الوزراء, وهو يركز أيضا على حفز رواد المستقبل. حتى الآن, جال في خمس جامعات وعدة هيئات شبابية.

لكن الرئيس يلحظ ضعفا في قنوات الاتصال مع المواطنين. عينة المستجيبين الذين قالوا إنهم على دراية بمطالب عمّال المياومة وإحالة ملف الاختلاسات للقضاء تراوحت بين 50 و63%.

غالبية الوزراء يتحاشون الإعلام كي لا يلاموا ان قالوا شيئا خارج النص كما حصل في قضية المعلمين, ومعظم الناطقين الرسميين في الوزرات تنقصهم المهارات المطلوبة للتواصل مع الجمهور.

بالطبع, لا يغطي الاستطلاع الاخير ما تسمى بالطواقم الخفية - التي لا تحمل مناصب وزارية - ولكن غالبا ما يكون لها مساهمات سلبية أو ايجابية تنعكس على من يجلس في سدة الرئاسة.

في الحكومة الحالية لم يكن لهذه الأطقم مجتمعة أي دور ايجابي, على ما يرى ساسة وخبراء, وإذا استمرت هذه الأطقم بالاستحواذ على "أذن الرئيس" وجره صوب سياسات تأزيم, فسيلحق الضرر بشعبيته على غرار ما أصابه من سياسات بعض وزرائه.

المشكلة الأكبر تكمن في الاعلام وتداخل الأدوار والمرجعيات, فالسلطة الرابعة التي فقدت ثقّة الناس باستثناء بعضها, فشلت في عكس سياسات الرفاعي الإيجابية. الإعلام الرسمي المرعوب غير قادر على التحول من بوق للحكومة إلى إعلام وطن. وهناك أكثر من خطاب رسمي ومرجعية للإعلام.

فالرفاعي والملك من قبله, يؤكدان وقوفهما إلى جانب حرية الصحافة وتعددية الإعلام, لكن الواقع, يشير إلى عكس ذلك. يعتقد مسؤولون من الطواقم الخفية أن الإعلام "النايم ذات اللون الواحد" هو الأسلم, ويرفضون التفاعلية ونقل الحقائق إلى الناس. بضيق أفقهم, يضع هؤلاء قنبلة موقوتة في حضن الدولة. تتجلّى الدربكة الإعلامية في المواجهة مع المواقع الالكترونية, وتحويل كتاب إلى أمن الدولة قبل ان تقرر الحكومة, بعد تنامي الانتقادات الخارجية, تعديلات على قانون المطبوعات يحظر حبس الصحافي امتثالا لأوامر الملك.

قراء اليوميات, وبعض المواقع الالكترونية يشعرون بأن أدوات الرئيس الإعلامية وأطقم خفية أخرى ما تزال تتدخل عبر سياسات الجزرة والعصا, وأحيانا بطريقة ثأرية مضلّلة. اعتصام المعلمين الأخير كان خير مثال على ذلك, إذ لم ينل تغطية عادلة نتيجة تدخلات مباشرة من بعض الجهات.

يزيد الطين بلة إصرار بعض القائمين على الصحف تغليب منافعهم الشخصية على أجندة الوطن. ويعتقد بعضهم أن البقاء في المنصب يتطلب منع نشر أي خبر قد يتقصد سياسة الحكومة, كما يظن أن تسليط الضوء على الإيجابيات في الصفحة الأولى وإخفاء السلبيات, يبعد الإشكاليات عنه, وكأن "الدنيا قمرة وربيع" بدلا من أن يكون الإعلام مرآة المجتمع وحلقة الوصل بين الشارع والسلطة.

في مناسبات أخرى قيل إن الشغب (في الإعلام) لا يصدر عن الصحف اليومية إنما عن بعض مواقع الكترونية, يموّلها المال السياسي أو أشخاص مقربون من أصحاب الدولة والمعالي السابقين. ويتناسى هؤلاء من كان يغدق الأموال على بعض المواقع التي خرجت من عقالها أخيرا حين توقف الدعم بسب إقرار المدونة?

التعددية في الاعلام تظل غائبة ويظل لكّل صحيفة موّال;

لضمان صدقيتها, بات من الضروري أن تتصرف الحكومة بشفافية مطلقة وتكشف مثلا عن حيثيات ملف توسعة المصفاة من أجل تبيان إذا كان هذا التحرك ضمن جهد جديد لمكافحة الفساد او تصفية حسابات. الحكومة على المحك. في غياب الرقابة الإعلامية, والتشريعية تحتاج لإجراء تعديل لتعطي مؤشرا أنها تحاسب نفسها في غياب رقابة فاعلة.

الأمل في أن يبتعد الرئيس أكثر فأكثر عن مقربين منه يحاولون التأثير على عملية اتخاذ القرار من منطلق تصفية الحسابات وتعظيم المكاسب الشخصية.

هل سيأتي يوم تقيس فيه استطلاعات الرأي أداء أطقم السلطة العلنية والخفية ولوبيات الضغط خارج أسوار الدوار الرابع? وإلى متى سننتظر إيجاد آلية لتعزيز التنسيق شبه المنعدم بين مؤسسات الدولة.

في السنوات السابقة تكررت الشكوى من تغوّل جهات معينة تستهدف تعطيل عمل الحكومة. لن تكتمل الولاية العامة التي استعادتها الحكومة قبل عامين من دون بناء انسجام مؤسسي بين اذرع الدولة كافة. ففي غياب التنسيق الواضح تنشط القوى الخفية في تمرير معلومات قد تكون مضللة للرئيس, ربما بسوء نية, ولا يستطيع التأكد منها من مرجعيات أخرى.

من هنا يبقى الأمل في أن يفلتر رئيس الحكومة كل ما يصله من "نصائح" ويدرس قراراته بعناية; ذلك أن هذه المرحلة كتبت باسمه.. فإن أصاب نجاحا وزعت المغانم على الجميع وإن أخطأ يتحمل المسؤولية وحده.

 

أضف تعليقك