استشهاد زعيتر وإساءة توزيع الأدوار
في كل اعتداء على الأردن، أياً كان شكله ودرجته، نجد الأردنيين دائماً جبهة واحدة على موقف موحد. أكبر دليل على ذلك المشهد الوطني الخالص عقب جريمة تفجيرات عمان، العام 2005، من قبل جماعات إرهابية.
قتل الشهيد القاضي رائد زعيتر على يد المحتل الصهيوني بدم بارد، لا يقل قسوة؛ وقد أدى المفعول ذاته؛ بتوحيد الأردنيين الذين رأيناهم جميعا غاضبين من أجل كرامتهم التي شعروا أن إسرائيل داستها بقتل زعيتر الأعزل، بطريقة همجية.
هذه الجريمة تعكس، مرة أخرى، حقيقة إسرائيل الوحشية التي تغلفها بكثير من الكذب والافتراء أحيانا؛ كما تكشف عدم احترامها وتقديرها للإنسان الأردني بشكل خاص، والعربي عموما.
جثمان الشهيد ووري الثرى ملفوفاً بالعلمين الأردني والفلسطيني، في دلالة رمزية غاية في الأهمية، في وقت ما تزال تفاعلات الجريمة تتصاعد، وسط حالة غضب شعبي من الجرم الإرهابي الذي شعر الأردنيون أنه أصاب كرامتهم في مقتل.
نظرة إلى الوضع الآن تُظهر الخطأ في توزيع الأدوار وأدائها، وتحمل مخاوف وهواجس نتمنى أن لا تصبح واقعا؛ بحيث تنتقل الأزمة من كونها مع إسرائيل، إلى أزمة داخلية بدأت ملامحها تظهر بالفعل.
تتجسد البداية في الخسائر الجديدة التي جنتها حكومة د.عبدالله النسور، بعد أن أخفقت في التعاطي مع الجريمة الإرهابية بالمستوى المطلوب. إذ لم تتعامل معها باعتبارها قضية كرامة بالنسبة للأردني الذي يجب الثأر له؛ الأمر الذي وسع الفجوة بين الحكومة والرأي العام. ومن ثم، يبدو أن جزءا من الأزمة انتقل إلى الداخل.
الأداء الحكومي، وللأسف، لم يرتق إلى مستوى الغضبة الشعبية؛ فلم يشعر المواطن باحترام حكومته له. إذ لم نسمع، مثلا، عبارات من قبيل أن دم الأردني خط أحمر، كما لم يستشعر المراقب فهما حكوميا كافيا وعميقا لحجم الجريمة وتبعاتها.
المشكلة من شق آخر، تتجلى على صعيد العلاقة بين النواب والحكومة. إذ تحولت مواقف النواب إلى فرصة لإلقاء الخطب والمزايدات، من دون تحديد مطالب يتم الضغط على الحكومة باتجاه تنفيذها، وكأن الهدف من المعركة هو إضعاف الحكومة وتكسيرها!
الفعاليات الاحتجاجية بدورها تحولت إلى مشكلة داخلية، بعد أن تم تفريق بعضها بالقوة، والاعتداء على المشاركين فيها. فبدلا من أن يمضي الاعتصام قرب السفارة الإسرائيلية تحديداً بشكل حضاري، تحول الحدث إلى ساحة اعتداء على المعتصمين. وهو ما ولد أجواء غير صحيّة، جاهزة للتطور مستقبلا؛ إن لم تتدارك الحكومة خطأها وتعالجه، وتسعى إلى رأب الصدع في علاقتها مع المؤسسات الأخرى ومع الشارع أيضا.
الرأي العام أيضا مضطرب وغاضب. وهو ما لم يمكّنه، بالنتيجة، من تحديد مطالبه التي تشعبت بين الممكن والمستحيل.
بدلا من نقل الأزمة إلى بيتنا الداخلي، علينا أن نفكر ونحسب كيف تسعى إسرائيل إلى ترحيل الأزمة إلى خارج أسوارها، بحيث تصبح أزمة أردنية داخلية بين الحكومة والمعارضة من ناحية، وبينها (الحكومة) والنواب من ناحية أخرى، كما بينها وبين المجتمع الذي شعر بعدم احترامه.
ما حدث أننا أسأنا توزيع الأدوار؛ وهذا هو الأسوأ ضمن ما مررنا به. والعبرة أن نتعظ مما جرى، وأن نمارس ضغوطا حقيقية على إسرائيل لتوفير أسلوب تعامل مختلف مع الناس على المعابر مع فلسطين، يحترم إنسانيتهم. الحدث الجلل كان فرصة الحكومة لاستعادة جزء من شعبيتها، وكان مدخلا لتقوية الجبهة الداخلية. غير أنه، وللأسف، لم يُستثمر بالشكل المطلوب.
الغد