استدراكات ثقافية هادئة

استدراكات ثقافية هادئة
الرابط المختصر

 

  1. في مسألة "مشروع التفرُّغ الإبداعي"

لا أعارض في إلغاء أيّ أمر مهما كان إذا ما استند، فعلاً، إلى التحري الموضوعي، والتدقيق النزيه، والمحاسبة الشفافة وفق اللوائح الموضوعة (المقروءة في روحها وجوهرها واختلاف حالاتها، لا في ظاهرها الكتابي)، وكانت نتيجة ذلك كلّه التثبت من عدم جدواه– وبالتالي إهدار المال العام. والبرهنة التي لا تقبل اللبس على أنّ إجراءاته وأصحابها أعضاء اللجان المعلنة شخصياتهم اتسمت بالفساد (وإنه لتوصيفٌ باتَ رائجاً قيد التداول المجاني ووصل ليصبح إحدى المفردات المستحبّة لدى الفاسدين والمفسدين أنفسهم جرّاء التأويل بحسب المصالح). وشموله بقراءة متخصصة، يجريها مؤهلون حقاً، في كل ما صدر عنه من نتاجات عبر السنوات، ليخرج التقييم بعدها على قدر كبير من الحياد والنزاهة والمعرفة. وإنّ تركيزي على الكلمات الثلاث الأخيرة له كلّ المعاني.

 

عند تحقق الاشتراط الأول، وهو إداريّ قانوني. والثاني، وهو أخلاقي إجرائي. والثالث، وهو ثقافي معرفي متخصص: عند تحقق هذه الاشتراطات ضمن الحياد، والنزاهة، والمعرفة؛ لن نجد كائناً منصفاً غيوراً (بحق) على المال العام يعترض على إلغاء هذا الأمر أو ذاك، إذا قَطَعَت الاشتراطات السالفة بـ"لا جدواه، وفساده، وعدم أهلية مَن انخرط فيه." فهل تحقق لقرار إلغاء، أو تجميد مشروع التفرّغ جميع هذه الاشتراطات، وكيف، ومتى، ومَن؟

 

أطرح تساؤلاتي ابتغاء إقامة "مبرر" الإلغاء أو التجميد على وثائق متوفرة، وأدلّة دامغة، ومسوغات منطقية.. والتنحية الكاملة لشتّى الإشاعات، والتلفيقات، والتحريضات الصادرة عن أغراض وأهواء تتصف بالشخصنة! أما إذا شاب المشروع خطأ في التقدير والاختيار هنا، أو نقص ما في اللوائح لم يتنبّه لالتباس حالةٍ معينة فيوضحها؛ فمسألة المراجعة لغاية التصويب ضرورية باستمرار لأي مشروع، ما دمنا "مؤمنين"به راجين له التطور والكمال.

 

*   *   *

 

ربما لم يخطر لكلّ الذين "طبخوا" قرار تجميد أو إلغاء مشروع التفرُّغ الإبداعي، على نار "ليست هادئة" – فأُكلَ شائطاً محروقاً لاذع الطعم؛ أقول: ربما لم يخطر لهم أنّهم بإصدارهم وإنفاذهم له أشبه ما يكونون بالطبيب العَجول غير الخبير أو البصير، الذي بَدَلاً من معالجة الجرح في أُولى مراحل تقيحاته وقبل استفحاله، نراه يسارع فيبتر العضو المُصاب! أو ما هو أدهي وأمَرّ: بَدَلاً من أن يفكِّر الحاكم بالطرق الكفيلة وقف احتجاجات الناس وصراخها بسبب الجوع ، وأمور أخرى؛ يبادر بإصدار أمره بإطلاق الرصاص فوراً.. وهكذا تنتهي "الفوضى"، ويَعُمُّ "السلام"، وتبسطُ "السَكينةُ" يدها على رؤوس الجميع– فلا هدوء يفوق هدوء الموتى القتلى! ولا شيء أدعى لأن تتضخّم الذات من نفي الآخرين كوجودٍ مجاور وشريك!

 

 

*   *   *

ملاحظة تستدعي التوقف: إنّ إطلاق صِفة "الفساد" على مشروع انخرطت في كافة إجراءاته ولِجان العمل فيه مجموعة كبيرة من الشخصيات: الرسمية كوزراء للثقافة سابقون مسؤولون عن تشكيل لِجان التحكيم يرأسون اجتماعاتها، وأمناء عامون سابقون، وموظفون عاملون. إضافة إلى شخصيات معروفة عامة ذات خبرات في تخصصاتها. إنّ إطلاق صِفة "الفساد" على المشروع لا يعني، في جوهر المعنى، سوى إطلاق التهمة وتعميمها على جميع هؤلاء! وإذا احتكمنا إلى هذا وصادقنا عليه؛ فإني أرى أنّ الاتهام أصبحَ مثقلاً بالمسؤولية القانونية الناتجة عنه.. إذ يتضمن تشهيراً عَلَنياً!

 

 

  • سيتعرض مقال الأسبوع القادم لمسألة ثقافية أخرى.

 

 

إلياس فركوح: كاتب وروائي. حاصل على جائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية في حقلي القصة القصيرة والرواية.

أضف تعليقك