احتلال الـ"فيسبوك"

احتلال الـ"فيسبوك"

الاحتلالُ الدينيُّ الذي ينجحُ في بسطِ نفوذهِ وهيمنتهِ، وفرضِ قوانينه على الشوارعِ، والدوائرِ الرسميّةِ والأهلية، والجامعاتِ، والجسور، وأعمدة الكهرباءِ، وسائرِ تفاصيلِ المشهدِ العام في بلادنا، يتمدَّدُ بشراسةٍ إلى مساحاتِ التعبير في الإعلام الاجتماعي أيضاً، ويسعى إلى إخضاعها باللغةِ والوسائل ذاتها.

جيوشٌ إلكترونيةٌ مُدجَّجةٌ بالتكفير والترهيب. متوالياتٌ متضامنةٌ من التشبيك على وسائلِ التواصل. تنظيمٌ عالٍ ودقيقٌ في مجابهة التدوينِ المُعارض لهذا الاحتلالِ الجيد، وقدرة عملياتية على قرصنةِ الصفحاتِ، وتكثيف الشكوى لحجبِ المحتوى المُضاد. وفي الخلفية استغلالُ طابع التديُّن المُحايد والمُسالم في المجتمع، عبرَ دعايةٍ تحريضيّةٍ مُخادعةٍ، ترفعُ مستوى التعبئة وشراستها ضدّ مقالٍ، أو منشورٍ، ينتقدُ المتاجرةَ بالدين، أو رجاله، أو مظهريّتهُ، أو مؤسساته، وتحويله إساءةً للدين نفسه، وحينها يرتطمُ النقاشُ على حجرٍ أصمّ.

ذلكَ كلُّه يُصيبُ أهدافاً في الطريق إلى احتلال كاملٍ على الأرض، وفي الفضاءِ الإلكترونيّ، بينها اغتيالُ السمعة، أو اغتيالُ صاحبها، أو زجُّه في نزاعاتٍ قضائية، تستفيدُ من الخراب التشريعيّ عن "ازدراء الأديان"، ومنْ تديُّن مؤسسته نفسها، ومن استسلامِ السلطةِ لعبء "الشرعيّة الدينية"، بكاملِ البؤسِ والفصام.

في الأردن، تتواصلُ محاولاتُ احتلالِ الـ"فيسبوك" من تنظيماتِ الإسلام السياسيّ، وحلفائها الانتخابيين، وقواعدها الشعبية. الحملاتُ مُركَّزةٌ ضدَّ كلّ محتوىً نقدي. كلّ صورة، أو رسمٍ، أو مقطعِ فيديو، والغايةُ خنقُ الحريّةِ، وجعلٍ مساحاتها جافةً، وتخويفِ حركة التدوين عموماً، وهي حركةٌ غزيرةُ المصادرِ والإنتاج.

مثلاً، الاحتلالُ الدينيُّ لـ"فيسبوك" يواجهُ صورةً لفتاةٍ بملابس رياضية، ونكتةً عابرةً، ومنشوراً غير منضبطٍ لسلطته، بشتمها وتعهيرها، والهجوم على بريدها الخاص، وتصوير صفحتها ونشرها، ولا تنجو، مهما وضعتْ من وسائل الحماية التقنية على حسابها، فثمّة مَن يبدو متيقّناً أنَّهُ يتقربُ بذلك إلى دينهِ وربّه، ولا أهمية للسؤال عن مشروعيّة أدوات التقرُّب باللعنِ والطعنِ في الكراماتِ والأخلاق!

وفي بلادٍ، تعتمدُ على المدخول السياحيّ، وتنتشرُ فيها محلاتُ بيعِ الكحوليّاتِ المرخّصة، ولديها صناعةٌ مرموقة في هذا الحقل، فإنَّ الكتابةَ عن الشرابِ الكحوليّ "مجاهرةٌ بالمعصية" فالإشارةُ إلى كأسِ نبيذ في مقالٍ، أو حتى في سطورٍ قليلة "فسقٌ وفجورٌ" مثل صورة المرأة بفستانٍ في حفل خاص، ومثل مقطع فيديو يرقصُ فيه فتيانٌ وفتيات، وحفلةٌ موسيقية على المدرّج الجنوبيّ في جرش، ومثل رأيٍ ضدَّ تخريبِ رموز الإسلام السياسيّ، والسلفيّ، ودعاة الفضائياتِ، للأدمغة والحياة في هذا الجزء الكئيبِ من الأرض، وما يعلوه من فضاءٍ منهوبٍ بالتحريمِ والاحتلال..

 

باسل رفايعة: صحافيّ أردنيّ، عمل في صحف يومية محلية، وعربية.

أضف تعليقك